الدولة المدنية لا تعني منع المواطنين من أن يكونوا مؤمنين ومتدينين ويقيمون الشعائر والطقوس الدينية. فهي تعطي المواطنين الحرية الكاملة في العقيدة وممارسة تلك الشعائر والطقوس.

والدولة المدنية هي دولة القانون والمجتمع المدني، هي الدولة الحديثة التي تقوم على اساس مفهوم المواطنة. ففي ظل هذه الدولة لا يكون هناك تمييز او إقصاء لاي فرد، لأنها تقوم على احترام حقوق الإنسان وعلى التعدد والتنوع والاختلاف، فلا تفرق بين المواطنين ولا تسمح لأية سلطة بالتدخل في شؤونهم.

الدولة الحديثة هي جهاز إداري وسياسي وقانوني ينظم الحياة داخل المجتمع، أي أن تكون محايدة وأن لا تتبنى دينا أو عقيدة معينة. وحتى تكون محايدة، خصوصا في دولة تتعدد فيها الاديان والثقافات، يجب عليها فصل الدين عن الدولة. لأنه إذا كان للدولة دين معين، فسوف تلغي بالضرورة حقوق أصحاب الديانات الأخرى، الذين لا ينتمون إلى هذا الدين أو هذه العقيدة، بل ومن الممكن أن تضطهد أصحاب الديانات الأخرى أو تهمشهم. ولهذا، يصبح فصل الدين عن الدولة خطوة هامة لكي تضمن الدولة حرية واحترام حقوق الإنسان وكذلك احترام دياناتهم ومعتقداتهم وثقافاتهم.

مسؤولو الدولة المدنية والتدين؟

يتساءل الباحث د. عمرو اسماعيل "هل يعني فصل الدين عن الدولة و السياسة.. أن يكون المسؤول غير متدين"؟ أو تعني هذه الجملة أن الدولة المدنية التي تفصل الدين عن الدولة سيكون المسؤول أو المواطن فيها فاسقا؟

هل تعني الدعوة لفصل الدين عن الدولة وأن يكون الدين لله والوطن للجميع أن ننحي الدين جانبا من حياتنا؟  أو تعني دعوة إلى الفسق والفجور مثلما يقول البعض عن هذه الدعوة، مهاجمين أنصار الدولة المدنية؟

وعن هذه الأسئلة يجيب اسماعيل، العكس هو الحقيقة تماما. فصل الدين عن السياسة أو الدولة لا يعني أبدا ولم يعني فصل الدين عن الحياة.

وحسب اسماعيل، المعنى الحقيقي لفصل الدين عن السياسة هو "عندما يختار أي منا مرشحا لأي منصب يجب أن يختاره لأنه قدوة وذو سمعة جيدة ويرفع برنامجا واضحا، وليس لأنه يرفع شعارا مكتوب عليه أنا متدين".

ولتبسيط الأمر يعطي الباحث المثال الآتي: في الدول التي تفصل الدين عن الدولة، قد يتقدم لأي منصب ثلاثة مرشحين، أحدهم يتقدم ببرنامج اشتراكي وآخر ببرنامج اقتصادي ليبرالي وثالث ببرنامج وسطي. والثلاثة مرشحين قد يكون كل منهم متدينا يؤدي تعاليم دينه ويذهب للصلاة في المسجد أو الكنيسة، أو على الأقل يجب أن تكون سمعته جيدة. ولا يجب أن يرفع أي منهم راية تزايد على دين الآخر.عندها سيكون المواطن قادرا على اختيار المرشح الذي يحقق له مصلحته أو يقنعه بفكره.

عندما لا نفصل الدين عن الدولة، "سيجد أي منا نفسه يرفض مرشحا قبطيا (مسيحيا) مثلا.. رغم كفاءته وسمعته الحسنة وقدرته على تحقيق البرنامج الذي ترشح علي أساسه.. وينحاز إلى مرشح آخر أقل منه كفاءة لمجرد أنه يقابله في المسجد.. والعكس صحيح".

دعوة للنقاش

هذه ليست مقالة عن الموضوع، ولا قراءة تحليلية له. إنه عرض لجوانبه السياسية والفكرية وحتى الصحافية منها، ضمن دعوة للنقاش نطلقها هنا في (إرفع صوتك)، كي تأتي آراؤكم وأصواتكم وأفكاركم، إغناء له وتعميقا لتفاصيله الإنسانية والثقافية.

هذه مساحة مفتوحة للسجال والتبادل الحي للأفكار.

اكتب بالكلمات، بالصورة، بالمقاطع الصوتية والفيديوية... عبرّ بحرية ومسؤولية.

*الصورة: إشتباكات سابقة في القاهرة بين أنصار الإسلاميين والشرطة/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.