جنى فواز الحسن

في إحدى قصصه القصيرة، يقول الكاتب الأميركي سكوت فيتزجيرالد "يمكن فهم الحياة فقط عبر النظر إلى الوراء ويجب عيشها إلى الأمام". لكنّ التنظيمات المسلّحة المتطرفة –على رأسها تنظيم الدولة الإسلامية داعش– تعود بطموحاتها إلى زمنٍ غابر قد يكون غير قابل للتحقيق في العصر الحالي وتطوراته.

وكما تدغدغ بعض المسلسلات أو الأفلام التاريخية مشاعر دينية وقومية معيّنة لدى جماعات مختلفة، تحفّز أحلام الخلافة الخيال لتُصوّر مجتمعا مختلفا عن أنظمة الدول القائمة حاليا. هذا النموذج الجديد – القديم المطروح والذي بدأ تنظيم "داعش" بتطبيقه "خطير"، بحسب الباحث في الفكر السياسي والإسلامي الدكتور رضوان السيّد. "ولا تكمن خطورته في العصر الحالي فحسب، بل ستمتدّ ترسبّاته على فترة طويلة من الوقت".

تاريخ الخلافة

وقبل البدء بالبحث في إعادة إحياء الخلافة، لا بدّ من العودة إلى مفهومها وتاريخ نشأتها. وقد بدأت الخلافة بعد نشأة الدين الإسلامي كنظام للحكم وإدارة الشأن العام قبل أن تنشأ المؤسسة الدينية.

يقول السيّد في حديث لموقع (إرفع صوتك) إنّ "السلطة السياسية في زمن الراشدين والأمويين كانت تتمتّع بصلاحيات دينية وتتدخّل في القضاء، حيث كان أمير المؤمنين هو الذي يقوم بتعيين القضاة ويوجّه الاعتقاد الديني. بدأت بعدها اتجاهات عقائدية مختلفة بالظهور، من ضمنها القدرية، وظهر خلال عصر الأمويين الخلاف بين المؤسسة الدينية والقضاء".

يتابع السيّد "بات القضاء يطالب بالاستقلالية عن السلطة وسانده الفقيه الذي اعتبر آنذاك أنّ التزامه تجاه المجتمع وليس السلطة. وبدأ ظهور أشخاص ينادون بفصل الدين عن السياسة".

إنتهت بعدها الخلافة الراشدة التي دامت 30 سنة، ليليها "المَلِك العاض" الذي دام 1255 سنة وتمثل في الدولة الأموية والعباسية والمملوكية والعثمانية وانتهى بسقوط الخلافة العثمانية بعد نهاية الثورة العربية الكبرى 1918.

الإحياء السلفي للخلافة

يعتبر السيّد إنّ الأمور بدأت بالاختلاف الجذري منذ قرابة المئة عام، عند بدء جمعيات إحيائية دينية في الهند والحجاز ومصر بالاعتراض على إنهاء أتاتورك للخلافة والدعوة إليها باعتبارها مجد للإسلام.

"لم ينتبه القائمون على الدولة المدنية آنذاك إلى هذه التحولات. السلفيون القدماء، وأعني هنا الوهابيون، لم ينادوا بالخلافة ولا أرادوها وحاربوا مشروع الخلافة العثماني. فالملك عبد العزيز بن تركي آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، لم يكن قريشياً ولم تكن من مصلحته عودة الخلافة لأنّ هذا سيعني إبعاده عن الحكم".

يتحدّث السيّد عن سلفيات جديدة غير السلفية الوهابية بدأت تظهر بعد منتصف القرن العشرين، انضمّ إليها الإخوان المسلمون وأحزاب أخرى، باتت تقول إنّ الشريعة الإسلامية غير مطبّقة ويجب على السلطة السياسية تطبيقها. ويقول السيّد "كان هذا تحوّلا مفصليا وجذريا لم ننتبه له للأسف حتّى الآن. حتّى حسن البنّا، مؤسس حركة الإخوان المسلمين، كان يقول الإعداد والتربية ثمّ الخلافة وثمّ العالمية".

لا يتحدّث الإخوان المسلمون عن طموحهم بالخلافة حاليا، لكن أحزاب وجماعات أخرى كحزب التحرير تنادي علنا بهذا النظام. وقد تأسّس حزب التحرير في القدس مطلع عام 1953 على يد القاضي تقي الدين النبهاني، بعد تأثره بحال العالم الإسلامي إثر سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية في إسطنبول عام 1924. وهو تكتل سياسي إسلامي يدعو إلى إعادة إنشاء دولة الخلافة الإسلامية وتوحيد المسلمين جميعا تحت مظلة دولة الخلافة.

إتّخذت المطالبة بالخلافة الإسلامية فيما بعد شكلا مسلّحا مع تنظيم القاعدة، وأتى إعلان للخلافة من زعيم القاعدة أسامة بن لادن عام 1999 يذكر فيه إنّه بايع الملّا عمر زعيم طالبان في أفغانستان بالخلافة وإمارة المؤمنين.

خلافة داعش

لكن تبقى الأبرز "دولة الخلافة" التي أعلنها تنظيم "داعش" في حزيران/يونيو عام 2014، مؤكداً حينها أن طموحاته في التوسع لن تقف عند أي حدود. وظهر بعدها في شهر تموز/يوليو زعيم التنظيم  في أول شريط فيديو بعد أن نصبه التنظيم "خليفة للمسلمين". تمّ آنذاك تقديم البغدادي باسم "الخليفة إبراهيم أمير المؤمنين" وألقى بعدها خطبة استمرت نحو 20 دقيقة.

في خطبته، قال البغدادي إنّ "إقامة الدين وتحكيم الشرع لا يكون إلا ببأس وسلطان". واعتبر تنصيبه بمثابة "واجب على المسلمين قد ضيع لقرون".

إلى جانب البغدادي، يدير الدولة الإسلامية مجلس الشورى، وهو من أهم المؤسسات التابعة للتنظيم. وبحسب وكالات، يوجد للبغدادي نائبين، أبو مسلم التركماني للعراق وأبو علي الأنباري لسوريا، و12 حاكماً محلياً في كل من العراق وسوريا.

ومع إعلان التنظيم "الخلافة"، أعلن معها أكثر المفاهيم توحشاً ودموية. أيقظ "داعش" العرب والمسلمين والعالم بأسره على مشاهد مرعبة لقطع الرؤوس أو الحرق والرجم حتّى الموت، مسوّقاً لصورة همجية عن حكم سيكون كارثياً إن استمرّ في التوسّع. إستطاع التنظيم أن يبثّ الرعب في قلوب الكثيرين، وأن يجد مسوّغات ومبررات لما لا تقبله المعايير الإنسانية بأيّ شكل من الأشكال. ولم تأتِ الخلافة كنهج للحكم يتّبع مبادئ الإسلام، بل أكثر كأساس للعنف والإقصاء والسيطرة والاستيلاء.

يقول السيّد إنّ "الخلافة"، بحسب داعش والتنظيمات الأصولية المتطرفة الأخرى، بمثابة دولة عالمية تريد أن تجعل العالم إسلاميا وأن تقسّمه إلى ولايات. في مشروعه الحالي، يسعى التنظيم إلى السيطرة على البلدان ذات الكثرة الإسلامية، لكنّه يحمل أطماعا بتزعّم العالم بأسره.

تحوّلات مفهومية

المشكلة الأبرز، بحسب رأي السيّد، ليست مدى قدرة توسّع التنظيم فهو لن يمتدّ على قدر طموحاته وسينتهي عاجلا أم آجلا. يشرح أنّ "الأزمة الحقيقية التي سنعاني من تداعياتها على المدى الطويل تكمن في التحولات المفهومية. لم يعد هناك مسلم متديّن إلّا ويظن أن الإسلام لديه نظام حكم، وهذا ليس أمراً صحيحاً فالإسلام لا يملك نظاماً سياسياً ولا اقتصادياً قادرا على إدارة الدولة".

يضيف السيّد "في وعي المسلمين، باتوا يظنون أن الدولة الحالية ليست الدولة المثالية. الدولة المثالية باعتقادهم الآن هي تلك التي ينادي بها الإسلام. وسنحتاج إلى دول مدنية قوية قائمة على الحكم الرشيد لكي نتمكن من تغيير هذه الصورة في وعي المسلم وإقناعه بأنّه يمكنه ممارسة شعائره الدينية وترك القانون للدولة".

وعن أحاديث نُسبت للرسول محمد حول تبشيره بعودة الخلافة، يقول السيّد إنّ "هذه الأحاديث ضعيفة وغير مثبتة، لكن يجري حاليا التسويق لفكرة مفادها أنّ ديننا مستنزف ويجب إعادة الخلافة. هذه الجماعات المتطرفة دينية، وإن نشأت كرد فعل على الاستعمار، تبقى مجهولة الهوية بمعنى أنّها لا تمثّل الأكثرية العربية. لكن من الواضح أن أطراف عدّة تستفيد من وجودها وبالتالي لن تندثر سريعاً. حتّى ذلك الحين، أي زوالها، يجب أن نفكّر بكيفية التعامل مع الوعي الإسلامي وتوجيهه بشكل مختلف".

*الصورة: عائلات هجرت من منازلها بعد سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق في العراق وسوريا/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.