منذ بواكير الإسلام السياسي الأولى، وتحديدا في مصر - مهده الأكثر أهمية - ولاحقا في الشام والمغرب العربي ( تونس والمغرب وحتى ليبيا ) وفي مرحلة متأخرة العراق بشقيه " الاخوان المسلمين" والحركات الشيعية التي بزغت واشتد عضدها بعد الثورة الإيرانية، ظلت تنظيراته تركز على المضامين السياسية والفكرية، كالسلطة ومقارعة الطغاة وشكل الدولة والسلطة وعلاقتها بالمجتمع والقضايا والمسائل الاخلاقية. وطغت على متن هام في الإنتاج الفكري والتنظيري لهذه الحركات .
ومع استمرار الإسلاميين بتقديم صورتهم، كـ "أصحاب فضيلة، ومنذورين لخدمة الدين وإعلاء كلمة الله العليا في المجتمع"، لكن المقاربة الأكثر اهمية وحضوراً اليوم للمشتغلين في العلوم الاجتماعية وتحديدا في علم الإجتماع والسياسات الاجتماعية بعد وصول الإسلام السياسي للسلطة في أكثر من جغرافيا عربيا وإقليميا، تتمحور حول المضامين الاجتماعية التي تمخضت عن استلام تنظيمات الإسلام السياسي للحكم في كل من العراق ولاحقا بعد ثورات الربيع العربي في كل من مصر وتونس.
غياب الحقوق والمواطنة
ويعتقد الباحث العراقي في علم الاجتماع، عبد الرزاق علي ، أنه "بالرغم من الخصوصيات المحلية لكل تجربة، لكن الصورة الأكثر حضورا وثباتا هي أن الإسلام السياسي بدا بلا برنامج واضح للشؤون الاجتماعية، وتحديدا بلا تصور محدد للوائح الحقوق الإجتماعية والاقتصادية المرتبطة بمبدأ المواطنة" .
ويؤكد الباحث، الذي وازن بين عمله الاكاديمي ونشاطه الاجتماعي في اوساط الاحتجاج السلمية العراقية، "الملاحظ أن الكثير من ممثلي تيار الإسلام السياسي انشغلوا منذ البداية في سعي محموم وصراع مع أكثر من جبهة مع فرقاء الوطن الواحد لتثبيت الهويات الدينية والمذهبية في الدساتير الجديدة كأولوية، قبل السجال في ماهية الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية لمجتمعات ما بعد الدكتاتوريات".
تراجع قيم الدولة ومسؤوليتها الاجتماعية
ويربط الباحث علي، في مداخلة خاصة بموقع (إرفع صوتك)، هذا الاهتمام البارز لممثلي الإسلام السياسي في السلطة مع طبيعة ورؤية ممثلي الإسلام السياسي لطبيعة العلاقة بين الدولة والسلطة من جهة، والمجتمع واحتياجاته من جهة أخرى. "فبرغم الفراغ المريع الذي تركته الدكتاتوريات الغاربة في حياة المجتمعات من فقر وحياة معاشية صعبة ومن خراب في ماهية وحجم وظائف الدولة الأساسية، كالسكن والتعليم والصحة والعمل وغيرها، إلا أن المفارقة الأكثر حضورا أن هذا المشهد تفاقم بشكل متسارع في ظل حكم الاسلاميين".
وأضاف "لعل المؤشرات التي صدرت وتصدر من منظمات دولية، كمنظمات الأمم المتحدة المختلفة والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى المختلفة، أشرت بشكل جلي التسارع في حجم التدهور في أغلب هذه القطاعات المرتبطة بحياة السكان الأساسية في تردي نوعية العيش والسكن وتهاوي في قطاعات والصحة والتعليم ومؤسساتها وارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة".
ويركز الباحث على تجربة الاسلام السياسي الشيعي – السني في العراق ما بعد العام 2005، ليشير الى أنه "وبتحديد أكثر وضوحا، تعد تجربة العراق في ظل تجربة الإسلام السياسي الشيعي - السني وبمشاركة القوى القومية الكردية وأطراف علمانية أخرى، هي الأكثر قسوة ودراماتيكية على صعيد فحص النتائج الاجتماعية لممارسة الحكم والسلطة. فمؤشرات غياب الأمن وارتفاع معدلات الفساد وفي تردي القطاعات المرتبطة بحياة المجتمعات المحلية... هي مؤشرات صارخة تجعل فحص التجربة أشبه بالذهاب في متاهات بلا نهاية" .
وتبدو وقائع كهذه، بحسب مبادئ التحليل في علم الاجتماع ، نذيرا بأزمات عميقة تؤشر إلى تردي ونكوص في نسق الثقافة الاجتماعية ومضامينها الإنسانية ومدى قدرة عناصر هذه الثقافة على القيام بدورها التقليدي في إيجاد الحد المعقول من التماسك والسلام الاجتماعيين. والحد من مخاطر الاحتراب وبؤره التي تبزغ في حالات الانتقالات الكبرى كالثورات والهزات والتغيرات السياسية العنيفة.
*الصورة: مظاهرة في بغداد للمطالبة بمحاربة الفساد/وكالة الصحافة الفرنسية