تبدو المسألة الاقتصادية بمثابة "نقطة الضعف" الرئيسة في مشروع الإسلام السياسي في المنطقة العربية. أنّ هذه الحركات لا تملك رؤية اقتصادية واقعية لمواجهة المشكلات البنيوية التي تعاني منها مجتمعاتنا، حسبما يقول مختصون في هذا الشأن، ولا تحمل مشروعاً تنموياً يستند إلى منطق علمي متين لتطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وبحسب ما يطرحهُ الباحث والكاتب الأردني، محمد أبو رمان، هناك أسباب موضوعية وإكراهات واقعية، لا يمكن تجاوزها، أدت إلى الخلل الهائل في المقاربة الاقتصادية الإسلامية. وفي مقدمة هذه الأسباب تلك الظروف التاريخية التي عاشتها الحركات الإسلامية، والتي فرضتْ عليها صراعاً وجودياً مع النظم الحاكمة، بحيث لم تترك لها مجالاً لطرح أسئلة تتعلق بكيفية التعامل مع متطلبات "اليوم التالي" لإستلام الإسلاميين للسلطة، والبحث في كيفية إدارة مشاريع الدولة الاقتصادية والتنموية.
الهدف ليس الحل إنما الاسلام؟
الإسلاميون عموماً يركّزون على مسألة "الهوية" قبل "البرنامج". لذلك نجد شعارهم هو "الإسلام هو الحل"، بمعنى أن الهدف ليس "الحل" بحد ذاته وإنما أن يكون "الإسلام" هو "الحل".
ووفق مقالة للكاتب والأكاديمي المصري بجامعة دورهام البريطانية، خليل العناني، فإنّ الملف الاقتصادي (بالرغم من أهميته) يظل أحد الملفات المسكوت عنها لدى الإسلاميين. ومع ذلك، يمكن ملاحظة أنّ ثمة محاولة مستمرة من الأحزاب الإسلامية لوصف برامجها ورؤاها الاقتصادية بكونها تتبع المنهج والتعاليم الإسلامية أو أنها تروم إلى تطبيق ما بات يعرف بـ "الاقتصاد الإسلامي" الذي يمكن اكتشاف نقاط ضعفه في:
أولا: حدث انفصام واضح بين القيم والممارسات التي ينطوي عليها هذا النوع من النشاط الاقتصادي. فعلى سبيل المثال لا تختلف ممارسات ما يطلق عليه "البنوك الإسلامية" كثيراً عما تقوم به البنوك التجارية المعروفة.
ثانياً: يوجد انفصام لا تخطئه العين بين ما تنص عليه البرامج الاقتصادية للإسلاميين وبين سياستهم الفعلية. ويمكن الرجوع إلى لغة و "خطاب" برنامج حزب "الحرية والعدالة" في مصر (في عهد محمد مرسي). كذلك الحال في حزب النهضة بتونس، الذي لا تدخر قياداته مناسبة إلا وتطالب بزيادة رؤوس الأموال الكبيرة وتشجيع القطاع الخاص والانخراط في شراكة اقتصادية دولية تقوم على مبادئ السوق الحرة والإلتزام بالمشروطية الدولية في ما يخص برامج التحرير الاقتصادي والتي غالباً ما تأتي على حساب الفقراء ومحدودي الدخل.
ثالثاً: ثمة انفصام وانفصال أيضاً بين الخطاب الديني والأيديولوجي للإسلاميين من جهة، وسلوكهم الاقتصادي من جهة أخرى. فالحديث المفرط عن الشفافية والزهد والعدالة الإجتماعية والمنافسة العادلة يقابله تراكم في رأس المال وتضخم في الثروة والاهتمام برجال الأعمال الإسلاميين على حساب الفقراء. ويقدم رجال الأعمال في "جماعة الإخوان" المصرية، و" المقاولون" المرتبطون بالقيادات السياسية في العراق، نموذجاً واضحاً لهذه الازدواجية وذلك على حساب تحقيق التنمية والتوزيع العادل للمداخيل والموارد.
رابعاً: وهو الأهم، فهو إصرار الإسلاميين على اعتماد نموذج "الدولة الرعوية" في سياستهم الاقتصادية. وهو نموذج أشبه بالرق الإقتصادي الذي يتعاطى مع الأفراد ليس باعتبارهم مواطنين ذوي حقوق وإنما "عابري سبيل" يستحقون المنح والعطف.
خراب "علماني" و"إسلامي"
ثمة من يقول إن النظم العلمانية العربية كانت قد أوصلت بلدانها إلى الإفلاس الفكري قبل الاقتصادي، وحوّل دولة كالعراق، مثلا، من منتجة الى خاملة فقيرة. ومن هنا سأل موقع (ارفع صوتك) هل مثّل النظام السابق جوهَرَ "الحكم العلماني" كي يصبح مقياسا لفشل الاقتصاد أيضا في ظل حكم يفصل الدين عن الدولة؟
وفي رده يوضح الباحث العراقي الدكتور عماد عبد اللطيف سالم، في ظل نظام اجتماعي "أبوي"، وبيئة "ريعية"، وثقافة "تقليدية"، لا يمكن الحديث عن فارق "جوهري" في "أثر أيديولوجيا" الحزب الحاكم على الواقع المحكوم سواء كان الحزب علمانياً أو إسلامياً . العلمانيون والإسلاميون أبناء بيئتهم وسياقهم، ولذلك هم وأيديولوجياتهم مجرد "أوعية" للتعبير عن مضمون البيئة والسياق ثقافياً وقيمياً واجتماعياً .
إن هناك نوعاً من "التماثل النسبي" في الخلفية المتشابهة، الاجتماعية أو الإقتصادية أو الثقافية الريفية أو العشائرية للنخبة الحاكمة في العهدين العلماني والإسلامي في العراق، ودور هذه الخلفية في إنتاج الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
يمكن الادعاء بانّ الإسلاميين بكل سلبياتهم هم (بهذه الدرجة أو تلك) نتيجة للحكم العلماني. هم نتيجة لأخطائه. لما مارسه من إقصاء وانتهاكات وحروب وحصارات. و هُم، في غالبية سلوكياتهم، مجرد "ردّ فعل" على ممارسات الحكم السابق على حكمهم.
لا للمواطن بل للناخب الطائفي!
انّ فهم هؤلاء القادة التنفيذيين " الأسلاميين " البارزين لكيفيّة ادارة الموارد الأقتصادية ( والبشرية منها على وجه الخصوص )، هو " فهم " يقوم على تكريس الفقر والأفقار (المكونّاتي ) والمتاجرة السياسية بهما . وفي هذا الأطار، ينقل سالم، عن الباحث همام طه، قوله: "يتم الحديث عن المواطن "البسيط" بعدّه ضرورة للوصفة المكوناتية الفسادية -الإفسادية التي تحكم العراق . إنه "ناخب" جاهز للانتخاب على أساس عقائدي، وهو "عنصر ميليشيا" جاهز للانخراط في حروب العراق التي لا تنتهي، أو تصديره للمحرقة السورية. وهو أيضاً "ضحية" جاهزة للموت على يد الإرهاب في سبيل مجد الطائفة وسلطان المكوّن. وما يحصل في الجانب الشيعي يحصل في الجانب السُني بتطابق تام. الشاب السُني "البسيط" هو إما "ناخب" ينتخب على أساس مذهبي، أو "إرهابي" يتم شتمه والاستفادة من إرهابه سياسياً، أو "معتقل" تتم المتاجرة بقضيته. وفي المحصلّة النهائية لهذه المقاربة، وهذا السلوك فانّ الفقر والفساد والطائفية، كلها، انما تعمل وفق هذا المنطق على ذبح الفئات الأضعف اقتصادياً واجتماعياً من الوريد إلى الوريد، وكأنّ ليس على الفقراء سوى أن يموتوا في العراق".
اسلاميون يديرون قطاعات اقتصادية: النتائج؟
ويرصد الباحث عماد عبد اللطيف سالم، اداء مؤسسات اقتصادية بارزة في العراق تولى ادارتها قياديون اسلاميون، قائلا: "لقد تولّى "اسلاميّون" أو "منتمون" لأحزاب اسلامية، أو عاملون تحت " عباءتها " الأيديولوجية ودعمها السياسي (والبعض منهم قياديّون بارزون في هذه الأحزاب والحركات والتيارات والتحالفات) ادارة وزارات مهمة كالمالية، والتربية، والتعليم العالي، والنقل، والأسكان والأعمار، والعمل والشؤون الاجتماعية، والنفط، والتخطيط، والتجارة، والعدل، والصحة، والاتصالات. وكانت النتائج مخيبّة للآمال. فهذه الشخصيات والقيادات، إبتداءً، لم تكن تعمل وفق أية "رؤية" مشتركة تجمع ما بينها رغم انتمائها لتيار الإسلام السياسي الحاكم، والمنتمي لذات الطائفة والمذهب والمكوّن. وهكذا كانت العلامات البارزة لهذا الأداء تتراوح بين فساد شامل ومستدام وكبير، تحوّل خلال عشر سنوات فقط من مجرد " ظاهرة " إلى بنية " مؤسسية تحاول الحكومات التخلص منها بفرض القانون".
*الصورة: متظاهرون في مصر يطالبون بالإفراج عن الرئيس السابق محمد مرسي / وكالة الصحافة الفرنسية