حسن عباس

هنالك شبه إجماع على أن الدول العربية متأخرة على المستوى الاقتصادي وعلى مستوى فعالية مؤسسات الدولة وعلى مستوى الحريات وتقبل الاختلاف كما على صعيد العلوم الحديثة. وأمام هذا الواقع، يعتبر بعض المفكرين العرب أن تحقيق ما يسمّونه "التقدّم" أو "الخروج من حالة التخلّف" في العالم العربي يستوجب قيام حكومات علمانية وديموقراطية.

حاجة إلى صدمة العلمانية؟

"نحن في العالم العربي خارج المسار الحضاري"، يقول المفكر المصري مراد وهبة. معتبراً أن المسار الحضاري يتحقق بالابتعاد عن الفكر الأسطوري وتبنّي الفكر العقلاني، وهو ما لم يحدث في الثقافة العربية. وبرأيه "العلمانية هي الحل لخروجنا من حالة التخلف".

ويعتقد وهبة أن عملية التغيير تحتاج إلى صدمات عقلية و"العلمانية تعتبر إحدى هذه الصدمات". ويضيف أن "مَن يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة يمثل آفة على البشرية والحضارة لأنه يمنعها من التطور"، مشيراً إلى أن الأصوليين في الشارع العربي يدّعون امتلاكها "ولذلك يحاربون أي شخص يعمل فكره وعقله ويقومون بتكفيره في الحد الأدنى وقتله في الحد الأقصى".

مفكرون عرب كثيرون يعتقدون أن فعالية الدين في المجتمع تعيق التقدّم ويطالبون بإخراج الدين من الفضاء العام. وبحسب الشاعر والمفكر السوري أدونيس، إذا قرأنا التاريخ العربي والنصوص الدينية سنجد أن "الفرد لا حقّ له في أن يعدّل، أو أن يغيّر، أو أن يضيف، أو أن يحذف، بل تقتصر حريته على أن يطيع وينفذ". من هنا يؤكد أنه "من دون تحويل قراءة الدين إلى قراءة جديدة، بحيث لا أحد يحارب أحداً، وتصبح جميع الأديان عبارة عن إيمان شخصي فردي حرّ، ويكون دين المجتمع هو الإنسان وحريته وحقوقه، فإن من دون ذلك لا يمكن إنجاز أي تقدّم".

إما الدين أو الهمجية؟

ولكن في المقابل، كان أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون برهان غليون قد حذّر، في كتابه "نقد السياسة: الدولة والدين"، من أنه "لا يكفي أن ندمر الدين في مجتمع ما، أو نبعده عن الحياة المدنية حتى يتجلى العقل بقيمه المذكورة، ولو فعلنا ذلك لن نجد أمامنا إلا الأمية والفراغ والهمجية". وأشار إلى أن فشل تكوين العقل ليس بسبب مقاومة الدين، بل بسبب "خطأ الاستراتيجيات والسياسات التي أخذت على عاتقها بناءه"، ونبّه إلى أن "التهجم على الدين غالباً ما يتحول إلى تعويض عن إخفاق العقل".

مديح "إسلام التجار"

لا يقف كل فكر ديني عائقاً في وجه المجتمعات العربية، فالقضية رهن بطبيعة مبادئ هذا الفكر. وبعد انتقاده لما أسماه إسلام الدولة الرسمي والإسلام الأصولي التكفيري الجهادي العنيف، مدح المفكر السوري صادق جلال العظم ما أسماه "إسلام الطبقات الوسطى والتجارية". هذا الإسلام الذي يجد نموذجه في المرحلة الأولى من حكم حزب العدالة والتنمية التركي هو، برأي العظم، "إسلام معتدل ومحافظ، يتمحور حول عمليات البيزنس بأشكالها كافّة، له مصلحة حيوية في الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي، وهو بالتأكيد غير مهووس بالمشركين... إنه إسلام يميل إلى التسامح الواسع في الشأن العام"، وهذا الإسلام، والكلام للعظم، يمتاز بأنه يعد بـ"المزيد من الإصلاح والتحديث".

دعوات إلى تجاوز مصطلح العلمانية

وبسبب السجال ذي الطبيعة العقائدية حول مصطلح العلمانية في العالم العربي، يقبل المفكر الجزائري الفرنسي محمد أركون بتجاوز هذا المصطلح ولكنه يتشبث باعتماد "روح العلمانية" كونها شرطاً للتقدّم. فهذه الروح تتأسس على ثلاثة مبادئ: أولاً، بلورة المعرفة النقدية التي تفترض الوقوف موقفاً نقدياً حيادياً تجاه كل الأديان والعقائد والنظريات دون تحيّز؛ ثانياً، عدم تأطير عقول الناس عن طريق التلاعب الخفي بها بواسطة الأساليب البلاغية والحيل الكلامية؛ وثالثاً، تعليم الطلاب معلومات صحيحة.

في كل الحالات، فإن الأكيد أن تبني الأنظمة السياسية العلمانية لا يحدث تغييراً تلقائياً داخل المجتمعات. فالعلاقة بينها وبين التقدّم ليست تلقائية. ولكن هنالك مبادئ مستقاة من تجارب الدول العلمانية تؤكد أن للتطور شروطاً موضوعية. وبرغم أن برهان غليون ينتقد العقائدية العلمانية إلا أنه يرى أنه "لا يمكن للدولة أن تنضج وتكتمل شروط وجودها إذا ظلت عالة على الدين وحصرت ضمن أحكامه وغاياته، ولا للاقتصاد أن يتطور إذا خضع لمنطق العقيدة، دينية كانت أو مدنية، ولا للعقل أن يبدع إذا ظل الفرد، العاقل والمفكر، فاقداً للحرية الشخصية، وللمبادرة الخاصة، وملحقاً بالجماعة وخاضعاً في تفكيره وسلوكه لما تمليه عليه وتطلبه منه، ولا للمجتمع أن ينمي قواه الذاتية... من دون أن يستقل عن الدولة ويضمن حرية إرادته وتنظيمه المدني".

*الصورة: "لا يمكن للدولة أن تنضج وتكتمل شروط وجودها إذا ظلت عالة على الدين"/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.