بعد أن شكل انتقال "الحركات الإسلامية" في بعض الدول العربية من فلسفة وسياسة "الدعوة" إلى الحكم و"المشاركة السياسية"، سبباً في بروز عدة إشكاليات ذات بعد فكري وسياسي من قبيل قضايا بناء الدستور والدولة وإدارة الحكم وتوزيع المناصب وإقامة التحالفات السياسية، كان هناك حديث عميق عن الأبعاد الاستراتيجية لحكم الإسلاميين وتأثيراته على علاقات دولهم بجوارها ومحيطها الإقليمي، فالعالم بصورة عامة.
وهناك رأي يتكرر كثيرا، مفاده أن هناك "أزمة ثقة بين مضامين الوطنية وبين خطاب الحركة الإسلامية العابر للحدود والدول"، التي جاءت "نتيجة للصراع السياسي في العالم العربي في حقبة الدولة القطرية المستقلة، بين التيارات القومية، كالناصرية والبعثية والقوميين العرب، وبين الإخوان المسلمين وحزب التحرير"، كما يوضح ذلك المحاضر في دائرة العلوم السياسية بجامعة بيرزيت الفلسطينية، سميح حمودة، الذي يؤكد لاحقا أن مرحلة تالية عزّزت الفصل بين "الإسلامي" و"الوطني" في مطلع الثمانينيات، جاءت بعد الثورة الإسلامية الإيرانية.
"وقد رصد الخطاب الغربي تصاعد قوة حركات سياسية عربية - إسلامية وظهورها على الساحة متأثرةً بالثورة الإيرانية وشعاراتها، فاعتبرها شكلاً جديداً مغايراً للشكل الوطني"، كما كتب حمودة.
بينما يرى الكاتب والمؤلف السعودي أنس زاهد أن "الإسلاميين يعتبرون الدولة الوطنية عدوهم الاستراتيجي، لأنها تحول بينهم وبين إقامة مشروع الخلافة وأن اسرائيل ليست عدوهم"، لكن مراجعة لأهداف ومنهاج تيار الإسلام السياسي وفهمه للدين وللأمة تكشف أنه يعتبر "المشروع الصهيوني معاد بالأساس، وهو يعد العقبة الكأداء أمام تقدم الأمة".
الإسلام السياسي عربيا
هناك من يؤشر أن حركات الإسلام السياسي باتت اليوم تؤثر في الوطن العربي - ما بين الحكم أو المشاركة فيه أو التأثير المباشر في القرار السياسي - وبنفوذ شعبي كبير داخل مجتمعاتها، وتمتلك جذوراً ثقافية وفكرية راسخة، فضلاً عن سيطرتها على شبكة من مؤسسات المجتمع المدني الرديفة للمشروع الإسلامي. وهو ما أعطى مصداقية لدى فئات واسعة في المجتمع على الرغم من الضغوط والدعاية المضادة التي تعرضت لها هذه المؤسسات.
وانطلاقا من حقيقة هذا النفوذ الذي بات الإسلاميون يتمتعون به في مجتمعاتهم، برزت المؤشرات التالية:
*هل هم يضعون الوطن كمصلحة ثانوية على القيمة العليا لهدفهم: الامة الاسلامية؟ ثم حيال الانقسام الطائفي الذي جاءت عليه حركاتهم واحزابهم، هل يتعزز أمن أوطانهم أم يتراجع انطلاقا من وجود استقطاب في المرجعيات والولاءات - الإسلام السياسي الشيعي والآخر السني؟
*تعاقبت على الوطن العربي منذ نهاية عام 2011 سلسلة من الثورات والانتفاضات أفضت إلى سقوط أربعة من الزعماء العرب في تونس ومصر وليبيا واليمن، وهو ما أوجد فراغا سرعان ما أدى إلى وصول حركات الإسلام السياسي إلى الحكم، وصعودها كقوى مسلحة تحولت إلى متطرفة كما في سوريا واليمن وليبيا، وأدخلت تلك البلدان في حروب أهلية تبدو مكملة لما بدأ في العراق منذ العام 2003.
الإسلام السياسي العربي بين إيران وتركيا
نجاح النظام الإيراني في أن يكون الموجّه للإسلام السياسي الشيعي في العراق ولبنان وبعض مناطق الخليج أدخل المنطقة في مواجهة طائفية وانقسام مجتمعي زعزع الأمن الوطني والقومي العربي، لا سيما بعد نجاح طهران في الحصول على مصالح ونفوذ في المنطقة بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق.
جرى الكثير من الحديث في إثر الثورات العربية عن إمكانية تعميم النموذج التركي للإسلام السياسي في الحكم بالوطن العربي، وذلك في ضوء تجربة حزب "العدالة والتنمية". إلى جانب ما يقال عن دخولها طرفا مباشرا وغير مباشر في الصراعات الداخلية التي تشهدها سوريا والعراق ومصر وليبيا.
الغرب وصعود الإسلام السياسي
لم يعد الموقف الغربي بعد الثورات العربية حاسما في صعود التيار الإسلامي الى السلطة في البلاد العربية، بل اتجه بطريقة نفعية ومصلحية لاختبار إمكانية التعايش مع حكومات تقودها هذه الحركات. كون صندوق الانتخاب كان سلما حقيقيا لصعود تيار الاسلام السياسي في تلك البلدان، دون أن ينظر إلى الأبعاد الأخرى، ومنها تقوية الإسلام السياسي وناتجه العرضي - الإسلام التكفيري بين مواطني الغرب وما يشكلونه من خطر على دوله، وعلى الشرق الأوسط المتفجر حين تحول إلى نقطة جاذبة لهم.