محمد الدليمي

كانت ليلةً بلون دم الضحايا، هي الأقسى والأكثر وحشية في تاريخ المغرب.

في تلك الليلة، استطاع 12 انتحارياً تفجيرَ أنفسهم مستهدفين أماكن متعددة بمدينة الدار البيضاء، ثاني أكبر مدن المغرب. حدث ذلك يوم الجمعة 16 أيار/مايو عام 2003. كان المحامي (عبد الواحد الخمال) ومعه ابنه ذو الـ 17 عاماً (الطيب الخمال) من بين الضحايا. لتبقى الأم والزوجة سعاد البكدوري وفية لذكرى الزوج والإبن، ومسؤولة عن تربية ابنتها الصغيرة.

أستاذة التاريخ في المدارس الثانوية في مدينة الدار البيضاء، إختارت طريقاً لا يسلكه الكثيرُ من عوائل الضحايا والمكلومين بفراق الأحبة. إختارت أن تؤسس الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب.

رحل الابن وهو يحاولُ الوصول إلى أبيه المصاب نتيجة تفجيرٍ أول استهدف مكان تواجدهم في أحد المطاعم في الدار البيضاء.

كان الناس يركضون بعيداً عن التفجير، لكن الإبن كان يركض عكسهم باحثاً عن أبيه ليتفقده . "كان إبناً باراً، بالمفهوم الواسع للكلمة. كان حنوناً وكان طيباً. إسم على مسمى. لكن خفافيش الظلام أصرت على القتل والترويع". فوقع تفجير انتحاري ثانٍ، ليصاب الطيب بإصابة عميقة في رأسه.

عثرت الأم على ابنها في أحد المشافي. وكانت تُمني النفس بنجاة الطيب، لكن "الأقدار كانت أقوى" من أمنياتها. فمات يوم الجمعة التالي.

ترفض البكدوري النسيان، لتبقى متشبثة بمعاني الوفاء للزوج وللإبن. وترفض التخلي عن ذكرى زوجها. وهي ترى صورة ابنها في كل الضحايا في كل بقاع الارض.

هل تدرون ما معنى الابن؟

قبل الأوان

إختارت البكدوري أن تكتب عن رحلتها ومعاناتها، فأسمت كتابها (قبل الأوان)، ليحكي قصة أم مغربية فجعت بفراق الزوج والابن.

عن الكتاب، يقول الناقد والصحافي المغربي لحسن لعسبي "لا يمكنك وأنت تقرأ كتاب « قبل الأوان » للأستاذة والمربية سعاد البگدوري أن لا يقشعر منك البدن، وأن تفر منك دمعة تضامن إنساني بلا ضفاف. فهذه سيدة مغربية، كانت تعيش حياتها في دعة وأمان، تنتمي لما يمكن وصفه بالطبقة المتوسطة بخصوصياتها المغربية، أي أم تقاوم رفقة زوجها من أجل تربية الأبناء والبلوغ بهم إلى ما تراه برا للأمان... لكن هذا «الأمان»، هو الذي سرقته منها لحظة عنف همجية بلا معنى".

ويتساءل لعسبي "وأكاد أقول، ما الذي سيقوله من تبقى من الانتحاريين أحياء عن تلك الجمعة الدامية بالدار البيضاء، ومن وقف وراءهم وأطرهم ووجههم صوب الموت، حين سيقرأون كتاب « قبل الأوان »؟.. هل ستصطك منهم الأطراف، ويدمى القلب وتذرف العين دمعا، مثل كل الناس؟!.. إن كتاب هذه المربية، أستاذة التاريخ بثانويات الحي المحمدي وسيدي البرنوصي بالدار البيضاء، هو كتاب يعلن انتصار الحياة على الموت، انتصار قيم تمجيد بني آدم التي يربينا عليها ديننا الحنيف، على قيم الغدر والقتل بغير حق وبشكل مجاني".

في كتابها، ضمنت سعاد البكدوري فصلاً أسمته (جُمَعْ). حيث ذات جُمعة، ولد ابنها البِكر لتسميه (الطيب). وذات جمعة بعد 17 عاماً مات الزوج ومات الإبن.

أي جمعة وأي عيد للمؤمنين؟ 

هذه قضيتي

ترفض البكدوري أن تكون ضحية صامتة أو أن تبقى قابعة في بيتها. لكنها اختارت أن تقوم بإيصال صوت الضحايا الى العالم، و تجعل من الضحايا ومعاناتهم وقصصهم، أينما كانوا، قضيتها المركزية.

تريدُ إيصال صوتهم للشباب وغيرهم علها تمنع انزلاق بعضهم للتطرف، من خلال تعريف الشباب بنتائج الأعمال الإرهابية فيدركوا حجم المعاناة الناتجة عن أولئك الذين قرروا الانضمام لحركات تستهدف كل ما هو حي.

رسالتها لضحايا الإرهاب "لستم وحدكم، فكلنا عائلة"، وذلك لأن ضحايا الإرهاب في كل مكان، عائلة كبيرة تتشارك الهموم والأحزان.

الأم التي ترى صورة ابنها في "كل الطلاب" لم تعد قادرة على الاستمرار في مهنة التدريس. لكنها وجدت ضالتها في محاولة وقف نزيف الدم من خلال نشاطات الجمعية والزيارات التي تقوم بها لمختلف المدارس.

وتقول إنّها ترى تجاوباً كبيراً. فالكثير من الطلاب الذين يستمعون لأصوات الضحايا يشتركون، وفي كل عام، في إحياء ذكرى الهجمات الدامية.

لدي تجربة إنسانية

*الصورة: الحزن واضح على أهالي ضحايا التفجيرات في الدار البيضاء في أيار/مايو 2003/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.