حسن عباس

لارتماء الشباب في أحضان الجماعات المتطرفة أسباب مركّبة. كُتبت مواضيع كثيرة لتحليل هذه الظاهرة التي تعصف بالمجتمعات العربية. ولكن من المفيد دائماً الاستماع إلى أصوات الشباب أنفسهم، كونهم يمتلكون قدرة كبيرة على ملاحظة ما يُغري الشباب أمثالهم.

تواصل موقع (إرفع صوتك) مع عدد من الشباب العرب، ويمكن القول باختصار أن مجموع آرائهم يشكّل تحليلاً هاماً لفهم الأسباب التي تدفع الشباب إلى اختيار الانضمام إلى جماعات متطرّفة.

مخاطر الديكتاتورية والتهميش

اعتبر مدرّس مادة الفلسفة اللبناني محمود حمادي، 34 سنة، أن أسباب الميل نحو التطرف تتقاطع بين السياسي والاجتماعي. "أول هذه الأسباب غياب الطرق الديموقراطية للتعبير وللتغيير. وثانيها حمل الكثير من الأنظمة لواء محاربة التطرف كشعار للتغطية على سعيها الدائم نحو تأبيد سيطرتها على المجتمع والسياسة، ما أعطى الجماعات الإسلامية جاذبية".

ومن جانبه، لفت الصحافي العراقي مصطفى سعدون، 26 سنة، إلى أن من الأسباب التي تدفع الشباب إلى الانضمام إلى تلك الجماعات أسباب سياسية، "فتنظيم داعش عندما دخل إلى العراق دخل في البداية إلى المناطق التي يعتقد بوجود مشتركات مع أهلها، وتقرّب من شباب تلك المناطق بحجة رفع الظلم عنهم".

وقال مدرّس مادة الرياضيات اللبناني أحمد خواجة، 28 سنة، "الشعور بالتهميش في المجتمع يدفع الشباب إلى الارتماء في أحضان الجماعات المتطرفة لأنهم يشعرون أن الدين ينظر إلى الناس بدون تفرقة وهذا أمر يُشعرهم بدايةً بالأمان ثم يتحول هذا الشعور إلى نزوع إلى الانتقام من المجتمع".

وأضاف خواجة "أنظمة القمع العربية ساهمت في التضييق على عمل التيارات الإسلامية ما يؤدي إلى انتشار الجماعات الجهادية السرية التي تجتذب الكثير من الشباب الهاربين من التهميش والإذلال".

الفقر أولاً؟

ورأى الأستاذ الجامعي التونسي عز الدين السعيدي، 39 سنة، أن كثيراً من الشباب العرب ينشأ في بيئة اجتماعية فقيرة تنعدم فيها أبسط مقومات الحياة الكريمة وتقلّ فيها الآفاق المهنية، "فتنمو لديه مشاعر إحباط تجعله ناقماً على وضع لا يقوى على تغييره. وتتحول هذه الظروف مجتمعة إلى بيئة حاضنة لفكر التطرّف والإجرام، فينساق الشباب نحو تجارب عنيفة يرى فيها تحقيقاً لذاتهم وانتصاراً على وضع رديء نشأ فيه".

ويتقاطع رأي الصحافية الجزائرية مسعودة، 22 سنة، مع الرأي السابق. فهي تعتبر أن "التطرف وليد بيئة اجتماعية مختلة ومريضة تتسم بالفقر والجهل".

تقول مسعودة "حيث ينتشر الفقر يكون التطرف. إذ يتم اللجوء أكثر إلى الله والدين للتغذية الروحية التي تحث على الصبر والوقوف أمام الصعاب".

وتستغل بعض الجماعات هذه الحاجة إلى الدين والتدين، كما تقول مسعودة. وغالباً ما يأخذ هذا الاستغلال الناس نحو الأسوأ. "إن مزيجَ الضياع والخوف والطريق المسدود يدفع الشباب إلى القيام بعمليات انتحارية، خاصةً بعد حشو رؤوسهم بأفكار تجعلهم يرون الموت خلاصاً جميلاً ونجاةً والحياة تفاهةً".

وبحسب مدرّسة علوم الحياة اللبنانية لارا الحركة، 29 سنة، فإن "الشاب في هذه الأيام، وبرغم نيله شهادات جامعية، إلا أنه غالباً ما لا يجد فرص عمل تمنحه راتباً مقبولاً يؤمن له حياة كريمة. ومن هنا تستغل المجموعات الإرهابية الفرصة وتقول له أن القتال في سبيل الدين سيؤمن لهم عيشاً كريماً، وحتى لو لم يتأمن ذلك في حياته فإنه سيناله في الآخرة".

جنس وانتقام وأسباب أخرى

وأشارت لارا إلى سبب آخر هو الجنس وقالت "في ظل عدم قدرة الشباب على تأمين مستلزمات الزواج، تستغل المجموعات المتطرفة حاجاتهم الجنسية لتسهيل زواجهم وتأمين النساء لهم بالحلال".

من جانب آخر، لفت الناشط المصري في المجتمع المدني محمد ابراهيم محمد، 30 سنة، إلى أن من أسباب التحاق الشباب بالجماعات المتطرفة "التعليم المبني على الحشو وعدم وجود مناهج مدروسة بشكل جيد تستطيع مواجهة أي فكر متطرف"، إضافة إلى "انتشار تعاطي المخدرات بين الشباب الأمر الذي أدى إلى فقدانهم الوعي والإدراك"، عدا "دخول أجهزة مخابرات في تجنيد الشباب وتوفير التمويل للمجموعات الإرهابية، وهو يزيد من صعوبة وتعقيد الأمر".

الدين والمجتمع المحافظ

برأي الأستاذ الجامعي اللبناني حسن دياب، ٣٤ سنة، فإن أهم سبب للتطرف هو "جمود النص الديني، وعدم وجود ثقافة التسامح في المجتمعات العربية. كما أن رجال الدين يساهمون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تعزيز هذا الفهم وترسيخ حرفية وقدسية النص حفاظاً على سلطتهم".

وأضاف حسن أن "المجتمع العربي يقوم بشكل عام على أسس قبلية وعشائرية ويأتمر أبناؤه بأمر الزعيم أو كبير العشيرة دون نقاش، وهذا يسهّل انقياد الأشخاص إلى زعماء مقدسين".

وبشكل عام، "بعض الشباب يشعر بالضياع واليأس، ويبحث عن بطولة متوهمة"، حسبما قاله الصحافي السعودي عمر البدوي، 25 سنة. "يظنّ أن العمل المسلح يعطيه دوراً فاعلاً و يشعر بالاعتداد بالنفس أكثر، خاصةً أنه يعتقد أن العالم كلّه يستهدفه في دينه وأرضه وعرضه".

*الصورة: "الشعور بالتهميش في المجتمع يدفع الشباب إلى الارتماء في أحضان الجماعات المتطرفة"/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".