شاب سوري غادر تركيا وذهب ليزور مدينته حلب. كانت خطاه تسابق الريح شوقاً لوالديه وفرحاً بالخطوبة التي طال انتظارها. عبَرَ الحدود إلى سوريا، فلم يلبث طويلاً حتى اختطفه مسلحون لا يعرف من هم، ولأي جماعة ينتمون، ليجد نفسه مرمياً في حمام، يشك أنه في مدرسة. لكنه لا يعلم حتى اللحظة أين تم احتجازه على وجه اليقين في ذلك اليوم.
في هذا اللقاء، اختار لنفسه اسم محمد، خوفا على عائلته في حلب من تبعات نشر اسمه الحقيقي في وسائل الإعلام.
استمرت رحلته مع التعذيب، بعد تحقيق قصير. وكانت تهمته أنه "علماني" ويعمل مع مؤسسة سورية تدعو إلى مدنية الدولة.
نُقل محمد إلى مدينة مختلفة وهو معصوب العينين، ليتم وضعه في مشفى كبير تم تحويله ليصبح سجناً. هناك، تيقن أنه مختطف من قبل تنظيم الدولة الاسلامية "داعش"، عندما أخبره بعض المساجين، والذين عذبوا تعذيباً قاسياً لدرجة إصابة بعضهم بشلل جزئي وآخرين بعاهات مستديمة وأكثرهم كانوا محكومين بالإعدام من قبل التنظيم، بهذه الحقيقة.
قال لي شلونك؟
صار محمد ينامُ جالساً، حتى لا ينكأ الجروح التي بدأت تلتهب وآثار التعذيب بالكهرباء التي لا زالت ترفض مغادرة ظهره. في طريق العودة من غرف التعذيب، أخبره أحد السجانين بالاعتراف بأي شيء يقولوه له، وأن يتوب عن تهمة "العلمانية" وإلا فإن حكمه "القتلُ ذبحاً لا محالة".
استمع لكلام السجان، فعُرض عليه العمل مع داعش وأن يقوم بالدفاع عنها من خلال صفحات التواصل الاجتماعي وغيرها، فرفض.
مرت الأيامُ ثقيلة عليه، كأنها تسير بأثقال الجبال على جسده الذي بدأ يفقد الوزن سريعاً نتيجة قلة الطعام.
كان التنظيم يعطي المساجين رغيف خبزٍ واحد لكل مختطف في اليوم الواحد. كان محمد يخاف أن يأتي يوم لا يصل فيه الرغيف، مثلما حدث في بعض الأيام، فصار يخزن بعض هذا الخبز.
كان يحاولُ إيجاد طرق لتصفية الماء القذر الذي لا يتوفر غيره. كان صراعاً من أجل البقاء، وصور الأب والأم والحبيبة تخبو شيئاً فشيئاً.
"كانوا يعتمدون على الضغط النفسي كثيراً. كل يوم تحس أنك ستعدم اليوم، وأنك لن تغادر هذا المكان كل حياتك".
كثير ممن كان مختطفا مع محمد كانوا يطلبون الموت خلاصا من آلام التعذيب اليومي. أحدهم جاء باتجاه محمد، قبل أن يتأكد أنه كان مختطفا معهم، وهمس "إن كنت جاسوساً علينا فأخبرهم: أقتلونا وخلصونا".
ظل محمد بين التعذيب وبين مرارة الاختطاف أكثر من شهر، ليطلق سراحه بعد معاناة، لم يهوّن من مرارتها سوى رؤية المساكين الهاجعين جنبه، وأنينهم المتعالي نتيجة جولات التعذيب التي يتعرضون لها.
يصف إطلاق سراحه بالـ "معجزة"، لأن الذين التقى بهم في أحد المهاجع المظلمة التي نقل إليها كان مصير أغلبهم الموتُ.
معاناة محمد، استمرت بعد إطلاق سراحه، ولم تتوقف عند حدود المهاجع المظلمة وغرف التعذيب. اليوم، يخاف محمد الاقتراب من الحدود السورية، فلم يعد نفسه ذلك الشاب الضاحك المتفائل فصار حذراً يرى كل الأشياء بعينٍ مختلفة. لا ينامُ من الليل كثيراً، يستيقظ ليلاً وهو خائفٌ مرتعبٌ، تطارده الكوابيس خوفاً من تكرار ذلك التعذيب. يقول "إذا رن جرس الباب لا أفتح الباب، أخاف من أنهم أتوا ليخطفوني مرة أخرى".
علاج التطرف
يحاول محمد تثقيف الشباب حوله عن التطرف والإرهاب، مستخدما قصته مثالا على وحشية المتطرفين ومن يدّعون أنهم يمثلون الإسلام. يقول "علاج التطرف يكمن في عملين، الأول هو نشر المعرفة في المجتمع وخاصة الشباب الذين فقدوا الجامعات والمدارس. والثاني هو علاج السبب الذي يرمي بالناس في أحضان داعش، وهي قسوة النظام السوري والذي دفع بالناس دفعاً نحو التطرف أو التعاطف معه".