بقلم حسن عباس:
لم يعد التوتّر السنّي الشيعي في الدول العربية المتنوّعة طائفياً خافياً. خرجت وحوش الطائفية إلى العلن وأخذت تلتهم الحجر والبشر بلا تمييز بين سنّي وشيعي. فمَن المسؤول عن هذا التوتر، إيران أم السعودية؟
لا يمكن أن تُختزل أيّة حرب أو صراع إلى بعد واحد، إلا أن البعد المذهبي هو أحد العوامل التي تسبب الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط. ففي كل الدول غير المستقرّة، يتوافق خط الصراع أو التنافس مع خط القسمة المذهبية داخل المجتمع إلى حد بعيد.
صراع استراتيجي برداء طائفي
يقول الكاتب اللبناني جهاد الزين لموقع (إرفع صوتك) إن "الصراع الإيراني السعودي لم يحوّل الحساسية السنّية الشيعية إلى مشكلة دينية واجتماعية وسياسية فقط، بل حوّلها إلى حروب أهلية".
وأكّد أن "التوترات المذهبية تماهت مع الصراع الجيوبوليتيكي بين الدولتين، وصارت مرتبطة بمصالح دول من حيث النفوذ الخارجي وبمصائر دول من حيث النفوذ الداخلي".
وبرأي الزين، المسألة ليست صراعاً فقهياً عمره 1400 سنة كما يحلو للبعض أن يقول، بل هي أكثر تعقيداً. "أما إسقاط الماضي على الحاضر فهو خاضع لخرافات يتم تركيبها على الوضع الحالي".
بدوره، أكد الكاتب والصحافي المختص بقضايا الشرق الأوسط أحمد أصفهاني لموقع (إرفع صوتك) أن "المذهبية هي أداة مستخدمة في الصراع الاستراتيجي بين إيران والسعودية وليس العكس".
إيران من قوة إسلامية إلى قوّة شيعية
يقول أصفهاني إنه قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، "لم تكن القضية المذهبية حساسة". ثم "بعد انتصارها وسعي إيران إلى مد الثورة، بدأت دول الخليج تشعر بأن هناك منافسة إسلامية من نوع آخر. بدأت الثورية الشيعية تشكّل خطراً على استقرار أنظمتها السياسية".
واستعاد الزين أوضاع إيران بعد الثورة مباشرة، مشيراً إلى أن إيران "لعبت بدايةً الورقة الإسلامية لا الورقة الشيعية"، وطرحت شعارات إسلامية عامة موجّهة إلى العالم الإسلامي سنةً وشيعةً و"قبل تحوّل إيران إلى قوّة شيعية كان الإخوان المسلمون يعتبرون طهران عاصمتهم وبقيت علاقاتهم ممتازة بإيران لفترة طويلة".
ولكن الأمور، كما يلاحظ الزين، اختلفت في ما بعد، إذ "ركّبت إيران كل استراتيجياتها في المنطقة على أساس دعم المجموعات الشيعية وربطها بها، وصارت تمدّ نفوذها تدريجياً على هذا الأساس باستثناء تجربة حركة حماس في غزّة. لقد أغراها نجاح استثمارها في حزب الله اللبناني باعتماد هذا الأسلوب".
الصراع يحتدّ
منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، تحسّست السعودية من الوضع الجديد الذي أتى إليها بحالة تنافسها على زعامة العالم الإسلامي. لذلك، برأي أصفهاني، "منذ البدايات، دعمت دول الخليج صدام حسين في حربه ضد إيران على أساس أنه يخوض حرب السنّة ضد إيران الشيعية، وراح الصراع يأخذ شكلاً مذهبياً. المدّ السنّي التقليدي راح يواجه المدّ الشيعي الثوري".
ولكن النقطة الفاصلة في مذهبة صراع الدولتين بشكل كبير، برأي الزين، كانت بعد إسقاط نظام صدام حسين في العراق عام 2003. فحينذاك، "رأى السعوديون أما أعينهم أول عاصمة عربية تصبح تحت حكم حركات شيعية، وهذا ما لم يحدث منذ ما قبل السلطنة العثمانية".
أدى سقوط نظام صدّام حسين ووصول المد الشيعي إلى السلطة في بغداد إلى تغيّر التوازنات في المنطقة العربية، لاحظ أصفهاني، ما أدى إلى "تسرّب القلق إلى دول الخليج"، خاصةً أن "الإسلام السياسي الشيعي سيطر على العراق ونشأ تحالف وثيق جداً مع سورية وتحوّل الشيعة في لبنان إلى لاعب أساسي".
[polldaddy poll=9177252]
السعودية تردّ
ويضيف الزين "أرادت السعودية محاربة النفوذ الشيعي في المنطقة، فأخرجت الوهابية من القفص الذي كانت تضعها فيه لأنها أدركت أن لا أحد قادر على مواجهة النفوذ الإيراني إلا الوهابية"، ملاحظاً أن "هذا الرد السعودي أربك إيران فهي كانت تريد أن تلعبها إسلامية كونها تتحوّل أقلية إن تحولت اللعبة إلى سنّي-شيعي".
وبعد سقوط صدّام، "ارتبكت السعودية"، بحسب الزين، "ولكن في ما بعد قررت الردّ بدعم التيارات السلفية أينما كان. ويقال أن استخباراتها كان لها دور أمني في المرحلة الصعبة من الحرب الأهلية العراقية التي بدأت عام 2006".
ولفت أصفهاني إلى أن "السعودية لم تخفِ دعمها للتيارات الدينية السلفية حول العالم لا بل فاخرت بهذا التوجّه. ولكن لا توجد إثباتات على دعمها للسلفية الجهادية التي تصدّرت المشهد السلفي في السنوات الأخيرة. لقد تحوّلت بعض السلفيات المدعومة من السعودية إلى جهادية ولكن مسؤولية ذلك لا تقع على السعودية، فهذا له علاقة بتطوّر الفكر الجهادي نفسه".
ولمواجهة إيران، يقول أصفهاني، "لم تكن السعودية بحاجة إلى تغذية الوعي السنّي ضد المدّ الشيعي فهو كان موجوداً". مذكّراً بأن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك سبق أن وصف الشيعة العراقيين بأنهم "غير وطنيين" وكان ملك الأردن عبد الله الثاني قد حذّر من "الهلال الشيعي".
ولفت أصفهاني إلى أن الأدوات التي تستخدمها السعودية في الصراع تختلف عن الأدوات الإيرانية. "فالمملكة تدعم الحكومات وتحاول تغيير الاتجاهات السياسية لبعضها كما في السودان، بمعنى أنها لا تدعم حزباً معيّناً بل تيارات واضحة في دول".
أما إيران فهي تستثمر أكثر في البيئات الشيعية. لماذا؟ يجيب أصفهاني "الواقع الشيعي تاريخياً كان منعزلاً عن سلطة الدولة. وإيران لعبت على هذه النقطة ولعبت على مظلومية الشيعة لتجييشهم وتوظيفهم في بنى عسكرية".
ما الحل؟ يُجمع المحللون على أن الصراع السنّي الشيعي لن يهدأ ولن يخفّ بدون توصل إيران والسعودية إلى نوع من ترسيم لجغرافيا نفوذ كلّ منهما. إلى ذلك الحين، سيلعب الصراع الإيراني السعودي دور "حارس دائم لمنع انطفاء الحرب الأهلية بين السنّة والشيعة"، بحسب تعبير الزين.
الصورة: صلاة جمعة موحدة في المسجد الكبير في الكويت/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659