بقلم حسن عباس:
بعض وجهات النظر تذهب إلى القول إنّ أبناء الزواج المختلط يشكّلون ضمانة للاستقرار وللعيش المشترك، لكنّ آخرين يرون أن المسألة لا يمكن تناولها بهذا التبسيط.
هل يمكن التعميم؟
كمثال على المروّجين لأهمية الزواج المختلط، يمكن أخذ اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان. فقد أطلق سابقاً حملة بعنوان "دعماً للاقتصاد، رفضاً للحرب"، وضع خلالها على لوحات إعلانية على الطرق عبارات ترويجية منها "400 ألف أبناء زواج سني شيعي لن يقاتلوا، وأنت؟"، على اعتبار أنّ هؤلاء هم حتماً محايدون في الحروب الطائفية.
تؤكّد الباحثة في علم الاجتماع السياسي هدى رزق لموقع (إرفع صوتك) أنّ "التزاوج بين أبناء الطوائف المختلفة والبيئات الاجتماعية المختلفة هو دليل على انفتاح وقبول الاختلاف وتخطي لقيود البيئة الاجتماعية الضيّقة وهذه القيم تنغرس عادةً في الأولاد".
لكنّ الواقع أخرج لنا أمثلة تمنع من تبنّي هذا التعميم. على سبيل المثال، فإنّ الشيخ السلفي أحمد الأسير الذي أقلق راحة اللبنانيين لفترة هو ابن زواج مختلط من أب سنّي وأم شيعية. لا بل أنّ أحد الانتحاريين اللذين استهدفا مبنى السفارة الإيرانية في بيروت، معين أبو ضهر، هو من أم شيعية أيضاً، وقد نفّذ عمليته لصالح جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة.
وهنا، تشير رزق إلى أنّ "ابن الزواج المختلط يعاني أحياناً من مشكلة إثبات هويته الطائفية وذلك إذا عاش في بيئة صافية طائفياً، خاصةً في مراحل التوتر وزيادة منسوب التعصّب". ففي هذه الحالة، "يتطرّف ابن الزواج المختلط في آرائه لإثبات أنّ اختلاف طائفة أمّه مثلاً عن طائفة هذه البيئة لا يؤثر عليه". وبرأيها "هذا عادةً يدلّ على أن شخصية الأم داخل المنزل ضعيفة بدليل عدم تأثيرها على أولادها".
كل حالة بحالتها
آخر دراسة إحصائية حول الموضوع صدرت في لبنان قبل نحو عامين ونصف، وأنجزتها (الدولية للمعلومات) مبيّنة أنّ عدد عقود الزواج المختلط في لبنان بين سنّة وشيعة يصل إلى 32،231 وهي نسبة تعتبر ضئيلة نظراً إلى عدد أبناء الطائفتين والذي يقدّر بثلاثة ملايين.
اكتفت المؤسسة المذكورة بعرض معلومات إحصائية ولم تذهب أبعد في تحليل أثر الزواج المختلط على العائلة. وعند سؤاله عن أثر الزواج المختلط على الأولاد، يجيب الباحث في (الدولية للمعلومات) محمد شمس الدين بأنّه "لا يمكن أن نقول رأياً جازماً حول ما إذا كان قد يدفع الأطفال إلى الانفتاح على الآخر أو إلى التطرّف"، لافتاً إلى أنّه "إذا كان الوالدان على صراع، قد ينعكس ذلك على تربية الأولاد، والعكس صحيح".
بشكل عام، يقول شمس الدين لموقع (إرفع صوتك) إنّه "ينبغي التشجيع على عقد زواجات مختلطة لأنّ هذه الظاهرة إذا ما تنامت فهي ستعكس واقع الاندماج بين فئات المجتمع اللبناني".
أيّ أولاد يُنتج الزواج المختلط؟
الزواج المختلط بشكل عام يُنتج أولاداً منفتحين، تؤكّد رزق، معتبرة أنه "يخلق انفتاحاً إذا تم برضا عائلتي المتزوجين، لكنّها تلفت إلى أنّه "يمكن أن تحاول كل عائلة جذب الأطفال إلى تبنّي قناعاتها الخاصة".
وفي متابعة لبعض حالات الزواج المختلط وأثرها على استقرار الحياة الأسرية وعلى تربية الأطفال، تبيّن أن ثقافة الوالدين مسألة أساسية في هذا المجال. فحين يكون الوالدان منفتحين، سيساعد ذلك على تربية أولاد منفتحين على الآخر ويحترمون الاختلاف. أما حين يكون أحد الوالدين طائفياً فإن ذلك قد ينعكس سلباً على الأبناء. باختصار، المسألة خاضعة لمتغيّرات كثيرة.
محمد، شاب لبناني شيعي عمره 37 سنة، متزوج من امرأة سنّية. محمد (اسم مستعار حفاظاً على خصوصية العائلة) ملتزم دينياً ويهتم بتنشئة أولاده على الهوى الشيعي وزوجته لا تعارض الأمر لأنه أساساً نجح في استمالتها إلى أفكاره. لكن تنشأ بعض المشاكل حين يزور الأولاد بيت جدّهم، أهل والدتهم، فيستمعون إلى أفكار مختلفة دينياً أو سياسياً ما يزعج محمد ويسبب بعض التوترات بينه وبين زوجته.
وملاك (اسم مستعار للأسباب نفسها) فتاة علمانية من عائلة سنّية تزوجت بشاب علماني من عائلة شيعية. لكن بعد الاستقطاب الحاد الذي هيمن على المجتمع اللبناني بعد عام 2005، بدأت أفكار زوجها تتغيّر وعلا منسوب الطائفية في شخصيته فصار الخلاف الحاد خبز حياتهما اليومية ما أدى إلى انفصالهما. من حسن الحظ ربما أنهما لم ينجبا أطفالاً وإلا لكان التوتر العائلي قد أدى إلى تربيتهما في بيئة غير سليمة.
*الصورة: "ينبغي التشجيع على عقد زواجات مختلطة"/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659