بقلم جنى فواز الحسن:

بعد التفجيرات الإرهابية الأخيرة التي طالت باريس وتهديدات تنظيم داعش بالمزيد من الاعتداءات في العواصم الأوروبية أو حتّى الولايات المتّحدة الأميركية، تنامت مشاعر متناقضة داخل الجاليات العربية في الغرب.

بعض العرب والمسلمين هربوا من التطرّف في بلادهم، ليجدوا أنفسهم في براثنه مرّةً أخرى، ليس فقط كضحايا، لكن أيضاً كأفراد في مجتمع غريب عنهم يجدون فيه جماعات ترتكب الجرائم باسمهم.

نتحمّل أخطاء الآخرين

"لا أشعر بالخجل من ديني أو هويّتي العربية"، يقول زيد العجيلي، طالب عراقي يعيش في ولاية ساوث كارولاينا الأميركية، في حديث لموقع (إرفع صوتك). "لكن أشعر بأنّي أتحمّل أخطاء الآخرين. المشكلة في الجماعات المتطرّفة أنّها تتكلّم باسم الإسلام، وهذا يؤثّر علينا"،

يعترف زيد أنّه يشعر بالإحراج، خاصّةً بعد تفجيرات باريس، ويقول "المشكلة الآن أنّ النظرة إلى العربي باتت نظرة دونية. أفتخر بكوني عربي وأعتبر أنّنا شعوب تملك قوة تحمل عالية. لكن النظرة إلينا الآن أنّنا شعوب غير منتجة، وهذا صحيح إلى حدٍّ ما".

يقول زيد إنّ له أصدقاء أميركيين، حتّى أنّ والد أحد أصدقائه المقربين كان في الجيش الأميركي وخدم في العراق. "أصدقائي يعرفونني، يعرفون أنّ أخلاقي غير الإرهابيين وأنّي أبحث عن السلام ونشر حضارة المجتمعات الشرق أوسطية".

ويتابع زيد "الشارع العام الذي لا احتكاك كبير لي معه قد يشعر أنّي مصدر للمشاكل، لكن أصدقائي لا يرونني بهذا الشكل".

"أنا من بغداد"

معاذ ابراهيم، طالب عراقي أيضاً في ولاية ساوث كارولاينا، يفضّل حين يُسأل من أين هو أن يقول "أنا من بغداد". يشرح لموقع (إرفع صوتك) "آلاف المرات، يسألونني من أين أنا. أقول أنا من بغداد وليس العراق. أحرّف الحقيقة لكي يكون وقعها أخف".

"بات هناك صورة نمطية للعراق أُلصقت بالإرهاب والدمار، وأحاول أن أجمّل هذه الصورة ببغداد. أخجل من وجود صورة في ذهن الناس عن العراق مرتبطة بالدم، لكن لا أخجل ببلدي".

يقول معاذ إنّه يلازمه شعور دائم أنّه "معتدى عليه".

ويضيف "كنت أشعر كذلك في بلادي حين كنت أدرّس في الجامعة وتأتي جماعة معينة وتطلب منّي أن أنجّح الطالب الفلاني. عشت حينها تحت ضغوطات كبيرة. وللآن، أحسّ كثيراً أنّه معتدى عليّ سواء داخل أو خارج بلدي".

بعد تفجيرات باريس الأخيرة، تنامى الخوف داخل معاذ، الذي يقول "يزداد الخوف طبعاً من الحوادث التي قد تستهدف طلاب عرب ومسلمين داخل الجماعات، لكني محظوظ إذ أعيش قرب الحرم الجامعي ولا أملك الكثير من الوقت للاختلاط خارجاً".

"لا أحب القول إنّي مسلمة"

تعيش اللبنانية ناديا الجراح في ولاية كاليفورنيا الأميركية منذ حوالي 10 سنوات. وتقول لموقع (إرفع صوتك) "كلّما جرت حوادث كما في باريس، شعرت فعلاً بانقباضٍ في صدري. هذا العالم يزداد عنفاً يوماً بعد يوم".

"لا أحب أن أقول إنّي مسلمة"، تقول ناديا، "ليس لأنّي أشعر بالدونية، لكن لأنّه ليس التعريف الوحيد الذي أريده لنفسي. أنا من الديانة المسلمة، لكنّي امرأة فاعلة ومنتجة. لا أفهم لماذا يجب أن أربط تعريفي لنفسي بمعتقدات دينية فحسب، خاصّةً إن كان الشائع عن هذه المعتقدات حالياً مرتبط بمفاهيم عنيفة".

تتابع ناديا "نحن نعيش هنا منذ سنوات لأنّ أوطاننا في محن. في الآونة الأخيرة، بتنا نشعر أنّ اللعنات تطاردنا، من انقسامات دينية وتطرّف. والآن، يجب أن نكرّر للعالم يومياً أنّنا لسنا مذنبين. لكن مع كل القتل الذي يُقترف باسمنا، بتنا نسأل أنفسنا أحياناً: هل نحن كذلك؟".

تشرح ناديا أنّها تعاني من أزمة في التعامل مع ولديها حين يسألانها عن كلّ ما يجري وتقول "هم عاشوا هنا منذ الطفولة، هذه أوطانهم ويسألون عن داعش أو جرائم أخرى ومن هم داعش. ولا أعرف كيف أجيب بشكل بسيط".

من تضرر من الجماعات الارهابية؟

نعيمة منيمنة، لبنانية أيضاً، انتقلت إلى لندن منذ حوالي الثلاث أعوام مع زوجها. تقول إنّها تأسف للحوادث الإرهابية التي يذهب ضحيتها أشخاص لا ذنب لهم.

لكنّها تعتبر أنّ المسلمين والعرب هم أكثر من تضرّر من الجماعات الإرهابية. "لماذا يجب علينا أن نبرّر دائماً للغرب أنّ هذه الجماعات لا تمثلنا؟ ألسنا نحن بشر أيضاً؟".

"نحن كذلك نريد فقط العيش بسلام".

*الصورة: "نحن كذلك نريد فقط العيش بسلام"/وكالة الصحافة الفرنسية

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659  

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".