بقلم حسن عبّاس:

اعتداءات باريس الأخيرة قد لا تمرّ مرور الكرام على اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب. أقلّه، قد تزيد من حدّة الانقسامات الحالية وتعطي للحركات اليمينية حججاً إضافية تدعم سعيها إلى تقييد منحهم اللجوء.

تضرّر صورة المسلمين

اللاجئون السوريون يعون آثار ما ارتكبه الإرهابيون عليهم. الصحافي فراس جركس، 40 عاماً، صار في الأول من أيلول/سبتمبر الماضي لاجئاً في ألمانيا. يقول لموقع (إرفع صوتك) "شعرت بالخيبة والخجل، فالشعوب التي احتضنتنا بدافع إنساني واستقبلتنا حكوماتهم من دون تمييز طالتها اليد التي لا تعترف بالآخر، الحاملة لثقافة العنف والتكفير، تلك الثقافة التي تنطلق أصولها من بلادنا".

وبرأي الناشط السوري المقيم في فرنسا سامر الدخيل، 30 عاماً، لم تتغيّر آراء الفرنسيين في الجالية العربية عموماً والمسلمة على وجه التحديد. ويقول لموقع (إرفع صوتك) إنّ "اليمين الفرنسي وكعادته انتهز الفرصة لتحميل الذنب لمهاجرين لا دخل لهم، ومنهم من لجأ هرباً من ذات الإرهاب. أما اليسار الفرنسي فيرى بعضه أن القضاء على الإرهاب يكون بالتحالف مع الدكتاتوريات، ويرى آخرون أنه يتم بضرب معاقل تنظيم داعش".

يقسّم سامر العرب إلى شريحتين "الأولى تعتقد بأنّ عليها دائما أن تبرر ما يحدث من إرهاب باسم الإسلام ونفي علاقته بديانتهم، والثانية ترى أن ما يحصل هو نتيجة لسكوت العالم على اضطهاد شريحة كبيرة من المسلمين"، ويشير إلى أنّ "الشريحتين لديهما مخاوف من تأثير الأعمال الإرهابية سلباً على علاقتهم بالآخرين".

أما عامر بكور، 38 عاماً، فقد عاني كثيراً قبل أن ينجح في لمّ شمله بزوجته وولديه. ويقول لموقع (إرفع صوتك) إنّ "العديد من اللاجئين السوريين يشعرون وكأنّهم متهمون بسبب جنسيتهم وعقيدتهم".

قلق من ردّات الفعل

أثناء حدوث تفجيرات باريس، كان فراس جركس في مخيّم للاجئين في مدينة ايغن فيلدن، في ولاية بافاريا. هنالك شهد على ملامح القلق التي ارتسمت على وجوه اللاجئين وخوفهم من ردّات الفعل، خاصةً بعد معرفتهم باعتداءات على مخيمات لاجئين ومساجد وأشخاص مسلمين.

هالة الحداد، لاجئة منذ ستة أشهر ونصف في فرنسا. حين وقوع الاعتداءات، كانت في منزل أصدقاء سوريين، وتنقل لموقع (إرفع صوتك) أنهم أبدوا الكثير من الخوف، لأنهم لا زالوا يذكرون تعرّض أبنائهم المراهقين للاستفزاز والضرب في المدرسة بعد مقتلة شارلي إيبدو.

شخصياً، هي لا تخاف، "فنحن لسنا الإرهابيين"، لكنها قلقة من منع ابنتها المقيمة في سورية من زيارتها ومن احتمال تأثر إجراءات استحصالهم على إقامة.

من جانبه، يقول حمزة الحسيني، 38 عاماً ولاجئ في ألمانيا منذ سنتين، لموقع (إرفع صوتك) إنّ "أول ما فكّرت فيه بعد تفجيرات باريس هو نظرة الغرب إلينا واحتمال أن يعتبر الغربيون أننا لم نبادلهم الإحسان بالإحسان. نخاف كلاجئين سوريين من تغيّر نظرتهم إلينا".

ويعتبر عامر بكور أن "هذه التفجيرات تطال كل لاجئ سوري في أوروبا وتخلق شرخاً بين اللاجئين ومجتمعاتهم الجديدة خصوصاً في فرنسا".

أما سلافة لبابيدي، 39 عاماً، وأتت إلى فرنسا نهاية عام 2012 وحصلت على اللجوء السياسي، فتقول لموقع (إرفع صوتك) "نحن كلاجئين سوريين نعرف معنى الظلم والإرهاب ونراهن على وعي الشعب الفرنسي وقدرته على عدم التعميم".

وتضيف أنّه كان لدى البعض تخوف من التضييق على اللاجئين أو التعامل معهم بعنصرية، "لكن أغلبية السوريين متفهمة للشعور الفرنسي وترى أنها مجرد فترة عصيبة وستمر بسلام".

ما العمل؟

ترى هالة الحداد أن "الرد على التشوّه الذي لحق بصورة العرب يكون بالتقيّد بالقوانين الفرنسية واحترامها" وبالمشاركة في الوقفات التضامنية مع ضحايا الإرهاب.

أما سلافة لبابيدي فتقول "لا أشعر أبداً بتأنيب ضمير"، كونها تحترم القانون وتحبّ المجتمع الذي تعيش فيه. تؤكد على أهمية السعي إلى الاندماج دون التخلي عن خصوصيتها كمسلمة وعلى أهمية التضامن مع ضحايا الاعتداءات، "لكن هذا لا يعني أن عليّ تقديم رسائل أو اعتذارات عن أشياء لم أرتكبها".

وبرأي سامر الدخيل، "هناك الكثير من العرب المسلمين وغير المسلمين الذين أحدثوا تغييرات إيجابية داخل مجتمعاتهم وفي مهاجرهم، وينبغي تسليط الضوء على هذه النماذج".

لكن فراس جركس يعبّر عن وجهة نظر أكثر تشاؤماً. يقول "لا أستطيع فعل شيء لتحسين صورة العرب أو المسلمين، لأن الموضوع متعلق بسلوك عام، وللأسف بنظرة تعميمية من الطرف الآخر. كل ما أستطيع فعله وألتزم به هو احترام القوانين ومحاولة تعميمها في وسطي وتعلم اللغة محاولة الاندماج بالمجتمع الألماني لأنّه يقيّمك من خلال سلوكك".

الحرب لحقت بنا!

"نحن ناقصين يا الله؟"، هي عبارة سمعتها هالة الحداد من عدد كبير من اللاجئين، إضافة إلى عبارات مثل "يعني بكرا إذا ضغطوا علينا، وين بدنا نروح بحالنا؟". "من قال إن قدرنا هو الخوف والعنف؟ ألا يحق لنا أن نعيش بأمان وكرامة؟"، تتساءل.

ويصف فراس جركس لسان حال اللاجئين كما لو أنهم يقولون "ضاقت بنا الأرض". وتروي سلافة لبابيدي "بعد الحادثة ألمّ بالبعض شعور بالضيق وفكّر في أنه قد يصادف عملاً إرهابياً وهو في الطريق وقد يُقتل بعد فراره من الموت".

الخوف كبير والتضامن مع الضحايا واسع. لكن بعض اللاجئين، روى فراس، اعتبروا أن ما جرى حدثاً عادياً وعابراً يعيشه السوريون يومياً في بلدهم ويقول بعضهم إن "الفرنسي ليس أغلى من السوري"، و"إنها ليلة واحدة دموية في باريس اهتز العالم من أجلها، أما في سورية فكل أيامنا وليالينا دموية ولا يشعر بنا أحد".

الصورة: لاجئون ينتظرون تحت الأمطار لعبور الحدود اليونانية – المقدونية/ وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".