بقلم علي عبد الأمير:

كيف تحوّل الغرب إلى منطقة جاذبة للجماعات الإسلامية السياسية، وتحديداً تلك الجماعات التي تعتبر الخيار المسلح في الوصول إلى السلطة جزءاً من إيمانها ونهجها؟ هل كان الأمر استغلالاً للجانب الإنساني عبر التزام دول الغرب بتنفيذ ما يعنيه "حق اللجوء" من اعتبارات قانونية وإنسانية؟ وهل كان "الاعتبار الانساني" مبرراً لقبول جماعات لا تؤمن بالديمقراطية ومبادىء حقوق الانسان، وإدخالها في نسيج مجتمعات تعتبر تلك المبادىء هويتها وأساسها الفكري والانساني؟ كيف حقّق الإسلام وكما حملته موجات من الهجرات واللجوء، هذا الانتشار في الغرب (معدلات الإنجاب العالية بين المهاجرين واللاجئين المسلمين)؟ وكيف أصبح لاحقاً عنواناً للإرهاب؟

هذه أسئلة جوهرية عن تيارات سياسية وفكرية استثمرت الإسلام إطاراً لعملها، واستعارت من الدين "قدسية" جعلتها كما يقول كثير من دارسي تاريخ تلك التيارات، تضفي "طابعاً الهياً" على عملها العادي والطبيعي: السياسة والسلطة. وفي باب البحث عن أجوبة لها، كان لموقع (إرفع صوتك) حوار مع الباحث العراقي المختص بالجماعات المسلحة، د.هشام الهاشمي.

يرى الهاشمي أنّ الجماعات التكفيرية والتي يصف تدينها بـ" الإسلام البدوي"، هي من أكثر الناس عرقلة لحركة التقدم ومواكبة العالم الحديث. ويوضح في مداخلة لموقع (إرفع صوتك) أنّ "دور هذه الجماعات هو تقليص المدنية وإعادة الحياة إلى شكلها البدائي ظاهر للعيان. ففي نهاية الثمانينات من القرن الماضي، كانت بداية توطين المهاجرين الأفغان في أوروبا، وكان كل واحد من هؤلاء يمتلك الحافز والقدرة على صناعة "أكثرية"، خاصة مع وجود الثغرات القانونية والإنسانية في المجتمعات الأوروبية التي أعطت لهم الحرية للدعوة والنشر وتكوين مجتمعهم الخاص في سلوكياته داخل المجتمع الأوربي، وبناء جدار واقٍ يمنع أبناء المهاجرين المسلمين من التعايش مع عادات الأوروبيين".

التكفيريون ولدوا من رحم جمعيات "الإغاثة" الإسلامية؟

ويلفت الباحث الهاشمي إلى نشاط تولته "أقلام التكفيريين ومواد الإعلام المؤدلجة في أوروبا، بما يتضمنه من دعوة للعنف والعزلة السلوكية وتمزيق الصف، باصطناعهم نزاعات وهمية وفكرية تحت عنوان"الولاء والبراء" وحماية المسلم من عدوه، وتفريغ طاقاتهم في مدارس عقائدية وسلوكية"، مؤكداً أنّ "الجماعات والتيارات التكفيرية الأصولية أصبحت تياراً دولياً منذ عقدين بفعل الجمعيات الإغاثية والدينية والثقافية الإسلامية في أوروبا والغرب عموماً والتي استحوذ عليها عناصر من هذه التيارات. في المقابل، هناك جماعات ومنظمات إسلامية معتدلة لكن كل محاولاتها التصحيحية  الفكرية التي تقوم بها للتعبير عن حقيقة الإسلام واعتداله الرباني، تبعثرها أعمال العنف باسم الإسلام زوراً".

ويوضح الهاشمي "اعتمدت شبكات الجماعات المتطرّفة بداية لمد جذورها في أوروبا على ثغرات القوانين هناك، وقد نجحت بتأسيس منتديات وجمعيات إغاثية وثقافية وترفيهية ودينية. وبينما أوروبا تتفاخر بحقوق اللاجئين، أهملت المراقبة المعلوماتية وكذلك لم تهتم بجذور اللاجئين وثقافتهم وتحديداً مدى علاقتهم بالأفكار المتطرفة. فهناك مقيم في بلجيكا استطاع من خلال علاقاته مع (أبي محمد اللبناني المقيم في الدنمارك) أن يؤسس شبكة أوروبية لتجنيد وجمع الأموال لصالح تنظيم الزرقاوي. وحصلت بعض المراسلات بينه وبين الزرقاوي الذي قاد تنظيم القاعدة فرع العراق، ثم كانت البدايات الأولى لهذه الشبكة التي تقدم الدعم اللوجستي من نقل وتدريب ومضافات ووثائق مزورة حتى الوصول الى سورية، حيث يلتزمهم ناقل ومضافات جديدة يديرها المدعو (ابو الغادية بدران تركي الشعباني)".

ويتابع الهاشمي "معظم الانتحاريين الذين دخلوا العراق في فترة ٢٠٠٤-٢٠٠٩ كان لهذه الشبكة اليد السوداء في تفجيراتهم، ممّا تسبب بقتل الآلاف من العراقيين، وبعد غياب ابو الغادية، حل محله (ابو محمد الشمالي طراد الجربا) مسؤولاً لشبكات الانتحاريين ويساعده (ابو عبيدة محمد المغربي) مسؤول شبكات داعش في أوروبا حيث يعتقد أنه يتنقل بين تركيا وبلجيكا بجواز هولندي".

أوروبا والمسلمون: مؤشرات ما بعد باريس؟

ويخلص الهاشمي إلى المؤشرات التالية:

*عامة المسلمين في أوروبا، وبعد مجزرة باريس، أصبحوا يعيشون بين مطرقة الغلو التكفيري وسندان اليمين الأوروبي. بينما الشعوب الأوربية تفتقر إلى عنصر الفصل بين الإسلام كعقيدة وبين الممارسات الخاطئة باسمه.

*لا يمكن مقارنة اليمين الأوروبي بالحكومات رغم قوة الثانية! فاليمين وبحكم فلسفته العلمانية، يولي حروبه الفكرية اهتماماً أكبر.

*النظر في أحداث باريس ينبغي أن يكون بعينين، عينٌ على المسلم المتعايش بتسامح داخل المجتمع الأوروبي، وعينٌ على المسلم التكفيري المتعايش مع عزلته الفكرية داخل المجتمع الأوروبي!

*الصورة:  سكان من العاصمة الفرنسية باريس يضعون الشموع وأكاليل الورود أمام المكان الذي وقعت فيه التفجيرات/وكالة الصحافة الفرنسية

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".