بقلم خالد الغالي:
أصدر الكاتب الصحافي التونسي هادي يحمد، قبل أشهر قليلة، كتابه "تحت راية العقاب.. سلفيون جهاديون تونسيون"، مستعرضاً في شكل قصصي مشوق، تفاصيل مثيرة عن نشأة الجهاديين التونسيين وظروف ظهورهم وارتفاع أعدادهم بطريقة جنونية حتى أصبحت تونس المصدر الأول للمقاتلين الأجانب في صفوف التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق، وفي مقدمتها تنظيم "داعش".
جاء غلاف الكتاب موشحاً بالسواد، على شاكلة علم داعش، تتوسطه دائرة بيضاء في إشارة إلى راية "العُقاب" التي يتخذها التنظيم الإرهابي علماً رسمياً له. والكتاب عبارة عن تحقيقات ميدانية استقصائية وسط جهاديي تونس ونبش في أدبياتهم ومساراتهم وحوارات صحافية مع قادتهم.
موقع (إرفع صوتك) حاور هادي يحمد للحديث عن كتابه وعن الظاهرة الجهادية السلفية في تونس.
تونس المزوّد الأول لداعش
يفسر هادي يحمد تموقع تونس في صدارة لائحة الدول المزودة لتنظيم داعش بالمقاتلين بتظافر عوامل مختلفة، "أولها السياق العام الذي مرّت به البلاد، ذلك أن تونس شهدت بعد الثورة حالة انفلات أمني وسياسي وديني تمكّن فيها تنظيم (أنصار الشريعة) - الذي تمّ حظره في تشرين الأول/أكتوبر 2013 - والذي لا يخفي انتماءه عقائدياً إلى تنظيم القاعدة، من تجنيد المئات من الشباب التونسي عبر سيطرته على حوالي أربع مائة مسجد وتكوينه لشبكة كبيرة من الجمعيات الدينية في مختلف أنحاء البلاد، فضلاً عن قيامه بتنظيم ما سمي بـ"الخيام الدعوية" في أغلب المدن التونسية واستضافته للعشرات من الأئمة المتطرفين، من منطقة الخليج والمشرق عموماً، لإلقاء الدروس والمحاضرات"، كما يقول الكاتب الصحافي التونسي.
وتفيد إحصائيات أصدرها مركز (سوفان غروب) للدراسات الاستراتيجية، ومقره نيويورك، أن عدد المقاتلين التونسيين في صفوف داعش تجاوز حالياً 6000 فرد.
ويحمّل هادي يحمد، وهو رئيس تحرير لموقع حقائق أونلاين ومتخصص في الحركات الإسلامية، السلطات التونسية جزءً من المسؤولية في هذا الارتفاع المهول. ويقول "استطاع تنظيم أنصار الشريعة على امتداد ثلاث سنوات تقريباً (2011- 2013) تجنيد المئات من الشباب التونسي تحت صمت السلطات وتساهل من حزب النهضة الإخواني الذي كان يقود حكومة الترويكا آنذاك"، مضيفاً "كان غض النظر من قبل السلطات السياسية مبنياً على الدعم الرسمي التونسي لما يسمى بالثورة السورية".
لكن الكاتب الصحافي التونسي، يستدرك مؤكداً أن التحاق جهاديي تونس بمناطق القتال ليس وليد اللحظة، وإن شهد ارتفاعاً بعد الربيع العربي، بل إن أعدادهم كانت كبيرة حتى قبل ظهور داعش نفسه. فبالعودة إلى سنة 2007، يقول يحمد "أكدت ما تعرف بوثائق سنجار، التي كشفتها القوات الأميركية سنة 2007، أن التونسيين يحتلون منذ ذلك التاريخ الرتبة الثانية بعد السعوديين في عدد المقاتلين الأجانب في العراق".
فسحة حرية
كان الحديث عن الظاهرة السلفية في تونس، حتى أواخر عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي خافتاً. لكن مباشرة بعد الربيع العربي، عرفت السلفية انتشاراً قوياً وسريعاً. وهو ما يرجعه هادي يحمد إلى "غض الأطراف التي وصلت إلى السلطة بعد ثورة يناير 2011 الطرف على نشاط السلفيين الجهاديين" وإلى "فسحة الحرية التي منحت للتيار الجهادي بعد الثورة. فقد ساهم العفو التشريعي العام، الذي تم بمقتضاه إطلاق سراح حوالي ثلاثة آلاف سلفي جهادي في شهر شباط/ فبراير 2011 من السجون التونسية في تغذية الظاهرة الجهادية بعد الثورة. وتعاضد هذا مع عودة العشرات من القيادات الجهادية من خارج البلاد. كانت كل الظروف سانحة بالنسبة إلى التيار الجهادي للتنظم والتجمع، فتم مبكراً في الأشهر الأولى للثورة (نيسان/أبريل 2011) تنظيم أول مؤتمر علني للجهادية السلفية في منطقة سكرة شمال العاصمة تونس (جمع حوالي ألف سلفي جهادي). أسس هذا الملتقى لتنظيم أنصار الشريعة كمظلة عامة للتيار".
ويضيف يحمد "تزايدت أعداد الجهاديين نتيجة سيطرتهم على المئات من المساجد وانضم إليهم شباب جدد متعطشين إلى التدين، فقد عرفت البلاد عقب الثورة أجواء دينية جديدة تمكن فيها المئات من الشباب التونسي من التوجه إلى المساجد بكل حرية بعد أن كانت تحت الرقابة زمن نظام زين العابدين بن علي".
مناطق حاضنة
يوصف الجنوب التونسي أنّه أكثر المناطق التي تعرف حضوراً قوياً للسلفية في البلاد، وتقع أحياناً مواجهات بين الشرطة ونشطاء سلفيين في مدن الجنوب. وحول سؤال إذا ما كانت هناك مناطق حاضنة للإرهاب في تونس، يقول هادي يحمد "عسكرياً تتركز المجموعات الإرهابية اليوم، سواء تلك المرتبطة بالقاعدة ( كتيبة عقبة بن نافع) أو داعش (جند الخلافة)، في المناطق الجبلية الغربية المتاخمة للحدود الجزائرية، وخاصة في سلسلة جبال الشعانبي. وهي المنطقة التي توفر لها هامش حركة وتواصل مع الجماعات الإرهابية التي تنتشر في الجبال الجزائرية. في المجال الحضري، ليس هناك حواضن بالمعنى الكامل للكلمة، غير أن انتشار السلفية والتشدد الديني بشكل عام ينتشر في العديد من الأحياء الفقيرة والمهمشة في ضواحي المدن (حالة حي التضامن مثلاً وهو أكبر الأحياء الفقيرة بالعاصمة)".
جنين في سجون بن علي
تشير أصابع الاتهام، في الكثير من الأحيان، إلى نظام زين العابدين بن على متهمة إياه بالمساهمة بشكل غير مباشر في "تفريخ السلفيين الجهادين"، بسبب قبضته الأمنية التي ألقت بالكثير منهم في السجون. يؤكد هادي يحمد هذا الأمر، لكنه يعتبر أن القبضة الأمنية لا تفسر وحدها ولادة الظاهرة السلفية في تونس. ويقول الكاتب الصحافي "نعم، إشتد عود التيار السلفي في سجون بن علي (حوالي ثلاثة آلاف جهادي)، غير أن المعالجة الأمنية لا تفسر ولادته. هناك عوامل محلية وإقليمية ساهمت في انتشار الظاهرة في تونس. فالفرضية التي تقول بانتشار الظاهرة الدينية في تونس نتيجة القمع الأمني والديني لا تصمد في حالات أخرى، عرف فيها التيار انتشاراً في مجتمعات ليس فيها تضييق ديني كمصر والسعودية على سبيل المثال".
ويوضح يحمد "من أجل البحث عن جذور وبدايات ولادة التيار في تونس، من المهم الرجوع إلى العشرية التي سبقت اندلاع الثورة لفهم إقبال الشباب التونسي على القنوات الفضائية الدينية ومواقع الإنترنت التي تبث الخطاب الديني المتشدد. إستطاعت هذه الوسائل جذب العديد من الشباب التونسي إلى التنظيمات المتطرفة بعيداً عن الرقابة المسلطة على المساجد وفي أجواء سياسية مغلقة وحريات مقموعة. الأكيد أن المحفزات الإقليمية من قبيل الحرب على العراق (سنة 2003)، فضلاً عن الانتفاضات الفلسطينية ساهمت في أجواء الشحن العقائدي والديني للشباب التونسي وتبني العديد منه الأفكار الدينية الراديكالية".
*الصورة 1:تتهم جماعة أنصار الشريعة بالوقوف وراء العمليات ضد الجنود وقوى الأمن التونسي/وكالة الصحافة الفرنسية
*الصورة 2: الكاتب والصحافي التونسي هادي يحمد/تنشر بإذن خاص منه
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659