بقلم علي عبد الأمير:

في أوائل تسعينيات القرن الماضي، كان شبان أردنيون يتبادلون أشرطة فيديو لأحد زعماء تيار السلفية الجهادية، الشيخ عبد الله عزام، بوصفها "رسالة الإسلام المجاهد ضد الكفار" في أفغانستان والتي أنتجت تنظيم القاعدة الإرهابي. ولم يمض أقل من عقد، حتى كانت الثقافة الإسلامية المتشددة الذائعة الصيت أردنياً تنتج إرهابياً جديداً اسمه "ابو مصعب الزرقاوي" الذي جعل من العراق ساحة لهجمات دموية دفع المواطنون الأبرياء من أبناء بلاد الرافدين أثماناً باهظة لها، ليستدير نحو بلاده لاحقاً ويخصها بعملية إرهابية هي ضرب الفنادق في عمّان 2005.

وتدور الدائرة ذاتها لتنتج موجة جديدة أقسى من التشدد، هي موجة مناصرة تنظيم "داعش" التي أوصلت الأردنيين إلى لحظة مواجهة حقيقية: قيام التنظيم الإرهابي بإحراق الطيار الأسير معاذ الكساسبة. وهنا بدأت الاسئلة تضرب على باب كل بيت أردني: إلى أين يمضي الفكر الإسلامي المتشدد بنا؟ ولماذا نوفر الأجواء لظهور زعيم إسلامي كل عشر سنوات؟

وهو سؤال بات يتوقف عنده ناشطون ومفكرون وعاملون في الشأن العام، بغية إيجاد السبل الممكنة لوقف "الفكر السلفي الجهادي" الذي وجد أرضية خصبة "هي ترجمة واضحة للانغلاق والتهميش وعدم تقبل الآخر وعدم احترام التعددية والتنوع الذي تعيشه منطقتنا، وأيضاً الانحدار الاقتصادي الذي تمر به دول المنطقة من تضخم نسبة الفقر والبطالة وضعف الثقة بين الشعوب والحكومات"، بحسب الكاتب والناشط الشبابي، المهندس معتز العطين.

ويؤكد العطين في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أن "علاجاً لمشكلة كهذه لا يكون عسكرياً بقدر ما هو فكري، فالفكرة لا تواجه إلّا بفكرة، والكلمة في وقتنا هذا أقوى من السلاح. والعلاج بالفكرة أو الكلمة يتطلب عملا متزناً وخططا فعّالة تنطبق مع الواقع تحلل وتدرس مواطن الخلل وأسبابها الحقيقية ثم تضع حلولاً لها وبشكل متواز ومتزن لكل الجوانب دون إهمال أيّ منها، بدءا بإعادة النظر بالمنظومات التربوية -لأنّ بناء العقول والأجيال يبدأ منها فهي نقطة التمركز للبناء - وإعادة النظر بكيفية وآلية نشر ثقافة دينية حقيقية متزنة وسطية، عبر اختيار أئمة مساجد من أصحاب علم ديني حقيقي وكفاءة عالية".

الحديث عن التشدد الإسلامي بوصفه خطراً إرهابياً لا يتوقف عند حدود بلد أو منطقة ما بل يهدد الإنسانية. وهو ما حذر منه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، واصفاً عناصر تنظيم  "داعش" بأنّهم "مجموعة من المتوحشين الخارجين عن القانون والدين، المجردين من أية إنسانية ولا يحترمون أية قوانين أو حدود".

إنقاذ الشباب من وحش الفكر المتشدد

والعمل من أجل إنقاذ الشباب في الأردن من وحش الفكر المتشدد، هو ما يركز عليه الناشط العطين بقوله إنّه "من الضروري إعادة النظر بكيفية توعية الأسر بدءاً من توعية الأهل وكيفية التعامل مع الأبناء، وإعادة النظر بالأطر الشبابية أو المؤسسات التي تعني بالشباب من خلال توعية الأجيال بأساليب الحياة التي تضمن احترام الآخر بغض النظر عن خلفيته الأيديولوجية واحترام التنوع والتعدد".

وفيما تفخر السلطات الأردنية أن نصف المجتمع اليوم أو اكثر هو من الشباب، غير أنّ المهندس الشاب العطين يوضح أنّ "ما نعانيه الآن هو تقزيم دور الشباب وتحجيم طاقاتهم وإبداعاتهم من خلال تأطير دورهم في العمل الاجتماعي والتطوعي فقط. وأنا لا انكر دور العمل التطوعي ومدى أهميته، لكن في الحقيقةً نحن بحاجة للإطار الذي يركز على مواطن الخلل ويصحح المسار عند الشباب، فيحتضنهم ويحتضن إبداعاتهم من خلال عمل منظم في التربية الديمقراطية والمدنية والتركيز على نشر ثقافة الحوار وعدم الاقصاء أو التهميش".

ويضيف أن "تقبل الآخر سينعكس إيجاباً على ثقافة الأجيال أولاً، ومن ثم على التقدم الذي سيلامس حياة كل شخص. فلكل الأطراف الحق في ممارسة دورها في صناعة مستقبلها. وليكن احترام التعددية والتنوع هو شعار هذا الإطار الذي نحتاجه لاستقطاب الشباب وتشجيعهم، وخلق حالة من الوعي الوطني الناضج الذي يؤسس ويبني ويعزز منجزاته باحترامه لعمل الآخر والبناء عليه".

إغلاق الباب بوجه التطرف؟

ويشدد المهندس والناشط الاردني على ضرورة "إيجاد حالة وعي اقتصادي من خلال دعم مشاريع شبابية اقتصادية لتقليص نسبة الفقر والبطالة التي تشكل عائقاً أساسياً في وجه الإبداع والمشاركة في الحياة المدنية بنشاط، ودعم فكرة أن يكون الشباب هم أساس في صنع القرار من خلال المطالبة بقوانين مثل قوانين انتخابية تسمح بإشراكهم في صناعة مستقبلهم ليشعروا بالأهمية وفتح المجال أمامهم لتطوير أنفسهم لتعود ثقتهم بأنهم جزء أصيل من المجتمع وهم بناته، لا أن يسمعوا جعجعة ولا يروا طحيناً لأنّ ذلك سيوسع فجوة الثقة بينهم وبين حكوماتهم مما سيتيح للتطرف بالتسلل عبرها لبث بذرة مسوسة من ماض لداحس أو قطف حاضر لغبراء".

*الصورة: إحراق الطيار الأسير معاذ الكساسبة أوصل الأردنيين إلى لحظة مواجهة حقيقية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.