بقلم خالد الغالي:

يعتمد تنظيم "داعش" على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة كبيرة، حيث أفادت دراسة لمعهد "بروكينغز" الأميركي للدراسات، نشرت في شهر آذار/مارس الماضي، أن أنصار التنظيم امتلكوا حتى نهاية سنة 2014 أكثر من 46 ألف حساب على موقع "تويتر".

ودفع نشاط داعش المكثف على مواقع التواصل الاجتماعي الدول الغربية إلى التفكير بآليات لمواجهة الحضور القوي للتنظيم الإرهابي على الانترنت.

وأطلقت هيأة الشرطة الأوروبية (يوروبول) وحدة جديدة لمحاربة دعاية "داعش"، بينما أسّست الولايات المتحدة ودولة الإمارات مركزاً للاتصالات الرقمية تحت اسم (صواب) للغرض نفسه.

في المقابل، لفتت حملات على شكل وسوم (هاشتاغ) في مواقع التواصل الاجتماعي غير صادرة عن مؤسسات حكومية الانتباه إليها بقوة، وطبعت ذاكرة متصفحي الإنترنت. يقف وراء هذه الحملات ضد "داعش" نشطاء عاديون، وسرعان ما يتم تبنيها من قبل كثير من المتصفحين.

أنت لست مسلماً يا أخي

أقدم رجل في بداية شهر كانون الأول/ديسمبر 2015 على طعن ثلاثة مدنيين في قطار الأنفاق في العاصمة البريطانية لندن، في اعتداء وصفته الشرطة بأنّه هجوم إرهابي. وصرخ المهاجم البالغ من العمر 29 عاماً "هذا من أجل سورية"،

بيد أن قصة الطعن توارت إلى الخلف أمام تعليق بسيط لأحد المارة. ففيما كان رجال الشرطة يكبلون المهاجم، صرخ فيه أحد المارة "You ain’t no muslin, bruv" (أنت لست مسلماً يا أخي)، وهي الجملة التي التقطها شريط فيديو صوّره هاوٍ.

أصاب صاحب الجملة وتراً حساساً في المجتمع البريطاني، فصارت عبارته شعاراً لحملة إلكترونية كبيرة في بريطانيا ضد الإرهاب والتطرف. وأشاد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بصاحب العبارة  مؤتمر صحافي قائلاً "أشكر ذلك الشخص الذي سمعناه في الشريط والذي قال التعليق الرائع "أنت لست مسلماً". جملته قالت كل شيء، أفضل مما يمكن أن أقول. شكراً لك مجددا".

ومباشرة بعد بث الشريط، ظهر هاشتاغ  #YouAintNoMuslimBruv على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث صار من بين الأكثر تداولاً خلال عطلة نهاية الأسبوع. وتم تضمينه في أكثر من 70 ألف تغريدة على تويتر في يومٍ واحد.

واستطاع هذا الهاشتاغ تحقيق أكثر من 122 ألف تغريدة، خلال الأيام الماضية، متجاوزاً هاشتاغ #باريس_تشتعل (76 ألف تغريدة) الذي انتشر بالموازاة مع هجمات باريس في الشهر الماضي. وتضمن تعليقات شامتة في الضحايا، مما جعل متصفحي الإنترنت يعتبرونه وسماً من إنتاج "داعش".

ليس باسمي

أطلق شباب بريطانيون، في بداية شهر أيلول/سبتمبر سنة 2014، حملة تحت عنوان "ليس باسمي". وحققت نجاحاً واسعاً.

وبثّ النشطاء  target="_blank">شريطاً مصوراً لا يتعدى دقيقتين، يظهر شباباً وشابات يعلنون رفضهم لممارسات "داعش". وحمل كل واحد منهم لافتة بالإنجليزية تقول "Not in my name" (ليس باسمي). وسجل الفيديو لحد الساعة أكثر من 480 ألف مشاهدة على موقع "يوتيوب".

ودفع النجاح القوي للحملة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الثناء عليها، خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. "انظروا إلى هؤلاء الشباب المسلمين البريطانيين الذي كان ردهم على الدعاية الإرهابية أن قاموا بحملة "ليس باسمي" معلنين بذلك أن تنظيم "داعش" لا يمثل الإسلام الحقيقي"، علّق الرئيس الأميركي.

وبشكل سريع، تفاعل رواد الإنترنت مع الحملة، فدشنوا وسما بالإنجليزية تحت اسم   #notinmyname، كما نشر بعضهم صوراً لهم مع لافتات كتبت عليها العبارة ذاتها، معلنين رفضهم للربط بين الإسلام وداعش.

يقول مهند على صفحته في تويتر "أنا من السعودية، وأرفع صوتي عالياً للقول إن داعش لا يمثلني".

ويقول سهيل محمد "ليس هذا هو الإسلام، وهؤلاء المهاجمون لا يتبعون تعاليم الإسلام. إيديولوجيا الإرهابيين هي الكراهية".

بعد عام على ظهوره، عاد هاشتاغ "ليس باسمي" إلى الواجهة بقوة إثر هجمات باريس في 13 تشرين الثاني/نوفمبر ثم هجمات سان برنادينو في ولاية كاليفورنيا بداية هذا الشهر. وحسب موقع "توبسي" للإحصاءات، فقد نشرت أكثر من 167 ألف تغريدة تتضمن هذا الوسم خلال الشهر الفائت.

وجاء هاشتاغ "ليس باسمي" ضمن قائمة أبرز 12 وسما أحصاها موقع "إذاعة فرنسا الدولية" خلال سنة 2014، كما ضمت القائمة أيضاً هاشتاغ "أعيدوا بناتنا" رداً على عملية خطف 276 طالبة نيجيرية من قبل حركة "بوكو حرام" التي أعلنت مبايعتها لداعش.

وقبل وسمي "ليس باسمي" و"أنت لست مسلماً يا أخي"، انتشر منذ سنة 2013 وسم #داعش_لا_تمثلني الذي أُطلق  احتجاجاً على ما بدا حينها انتهاكات ضد الثورة السورية ومحاولة لإفشالها، عندما هاجم عناصر من التنظيم فرقا من الجيش الحر في قرية أعزاز السورية.

*الصورة: من فيديو حملة (ليس باسمي) التي انطلقت من بريطانيا قبل عام.

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".