بقلم حسن عبّاس:
في 11 ديسمبر 2014، أصدر الأزهر بياناً رفض فيه تكفير تنظيم داعش. ومنذ ذاك الحين فُتح سجال كبير، يتكرّر بين حين وآخر، حول هذا الموقف وخلفياته.
مناسبة إصدار البيان في وقتها كانت نفي ما فهمته وسائل الإعلام من كلمة مفتي نيجيريا، الشيخ إبراهيم صالح الحسيني، في مؤتمر عقده الأزهر تحت عنوان "الأزهر في مواجهة الإرهاب والتطرف"، إذ تناقلت أنّه كفّر التنظيم المتطرّف. نفى الأزهر ما تم تداوله وحصر الفكرة بأن الحسيني "أوضح أن أفعال هؤلاء ليست أفعال أهل الإسلام، بل هي أفعال لا تصدر من مسلمين".
انتقادات للأزهر
كثيرون في مصر والعالم انتقدوا موقف الأزهر، ومنهم رجال دين أزهريون، ولا زالت هذه الانتقادات تتكرّر. وقال أستاذ العلوم السياسية في كلية السياسة والاقتصاد في جامعة القاهرة حازم حسني لموقع (إرفع صوتك) "إن الأزهر مؤسسة محافظة جداً وبدأ يغلب عليها المذهب الحنبلي لأول مرّة في تاريخها مع تحوّل الكثيرين من مشايخه إلى الفضاء السلفي بسبب السفر إلى السعودية والمصالح ذات الصلة بهذا الفضاء الطائفي".
ولفت إلى أن "شيخ الأزهر مضطر إلى الأخذ بالحسبان هذه الفئات التي يتعاطف بعضها مع أفكار القاعدة وداعش وتفرض توازنات معيّنة داخل المؤسسة"، مضيفاً أن "شيخ الأزهر ليس بالقوة الكافية للوقوف بوجه هذا التيار".
واعتبر أن "الأزهر يردّد نفس آراء داعش على المستوى الفقهي ويدرّس نفس الكتب التي يستند إليها داعش. وبرغم أنه مستاء من أعمال كالذبح ولكنه متوافق مع الفقه الأساسي الذي يحكم هذه الأعمال"، معلّقاً بتهكّم "كثّر خير الأزهر لأنه لا يقبل بممارسات داعش".
ولتغيير التوازنات داخل الأزهر، بدأ حسني بالإشارة إلى أن "الأزهر عبّر طوال عمره عن رغبات السلطة الحاكمة في مصر وطبّق النصوص الدينية بحسب إرادة الحاكم"، وتابع أن "الحل يتطلّب إرادة سياسية بتغيير هذا التوجّه ولكن الإرادة السياسية محافظة".
بين التكفير والتفكير
فور إعلان الأزهر موقفه الرافض لتكفير داعش، أعاد معارضوه التذكير بقضايا تكفير كثيرة ارتبطت باسم أحد مشايخ الأزهر. تحدثوا عن اتهامات بالكفر طالت طه حسين ونجيب محفوظ وصولاً إلى فرج فودة ونصر حامد أبو زيد والروائي السوري حيدر حيدر وكثيرون غيرهم.
وعن قضايا التكفير التي ارتبط اسم الأزهر بها بشكل أو بآخر، أشار حسني إلى أنه "كان هنالك تيار مناهض للفكر التنويري بشكل عام في مصر ويعتبر أن هذا الفكر فكر مارق أو هرطقي".
في المقابل، أكّد الشيخ إبراهيم رضا، أحد علماء الأزهر، لموقع (إرفع صوتك) أن "المؤسسة الأزهرية ممثلة بالإمام الأكبر وهيئة كبار العلماء لم تتورط في تكفير أحد على مدار تاريخها"، ولفت إلى أن "المفكرين الذين كُفّروا لم يكن الأزهر هو مَن أصدر الأحكام بحقهم".
وتابع ليوضح الفرق بين الأزهر كمؤسسة والأزهريين "هنالك أزهريين انضموا إلى جماعات إرهابية، والأزهر لن يجري وراء كل ما يقوله هؤلاء للتعليق بأن هذا صحيح وذاك غير صحيح. وقد قال كلامه مؤخراً حين حاول البعض توريطه وإلباسه مواقف غير صادرة عنه".
الأزهر ضد التكفير
فلسفة الأزهر الرافضة للتكفير تنطلق، بحسب الشيخ رضا، من أن "فكرة إخراج أحد من أهل القبلة من الملّة ليس سهلاً. ففي الفقه الإسلامي الأصيل، لا يجوز للمسلم أن يكفّر أخاه حتى ولو رأى منه عملاً من أعمال الكفر والرسول نهى عن ذلك بحديث صريح".
وشرح أن "الأزهر مؤسسة تعليمية دعوية وليس جهة تكفير أو حكم على عقائد الناس. ودوره هو الفصل في قضايا الحلال والحرام وليس من حقه استخدام التكفير في آليات عمله الدعوي. وهو ليس الجهة المختصة بهذه المسائل"، محذراً من أن يأتي لاحقاً مَن يطالب الأزهر بتكفير روائيين وفنانين.
وأكّد أنه استناداً إلى الأحاديث النبوية فإن "الحكم بالكفر لا بد أن يذهب إلى أهل الاختصاص وهم القضاة الذين يفصلون في قضايا تُرفع أمامهم".
الأزهر ضد داعش
في 31 ديسمبر 2014، خلال لقائه برؤساء تحرير صحف مصريّة، أكّد شيخ الأزهر أحمد الطيب أنه يمكن قطع أيدي عناصر داعش وأرجلهم أو صلبهم "وهذه حدود الله في الخوارج"، ولكن لا يجوز تكفيرهم. وهذا الموقف أخذ ضجّة كبيرة عندما تكرّر في بيان صدر بعد إعدام الطيّار الأردني معاذ الكساسبة وصف عناصر داعش بأنهم "بغاة" و"مفسدون في الأرض" و"يحاربون الله ورسوله".
وشرح الشيخ رضا أن "مقاتلي داعش ينطبق عليهم حدّ الحرابة لأنهم يُعلنون الإسلام ولكنّهم يقومون بأعمال من شأنها الإضرار بالمصلحة العليا للشعوب"، مضيفاً أن "إسقاط أحكام الإرهاب والإجرام أشدّ من اتهامهم بالكفر" ومذكراً باعتبار الأزهر أن داعش يروّع الآمنين وبأنه من أعداء الأمة وبإطلاقه عليه صفات سلبية كثيرة "كافية لأن تهبّ الأمة هبّة واحدة وتزيله من الوجود".
برغم كل هذا السجال، اعتبر حازم حسني، أستاذ العلوم السياسية في كلية السياسة والاقتصاد في جامعة القاهرة، "أن المشكلة الأساسية مع داعش ليست إذا كان عناصره مؤمنين أو كفرة بل هي أنه مدمّر للحضارة الإنسانية والدولة الحديثة".
من جانبه، لفت رضا إلى أن "معظم نكبات العالم الإسلامي ومصائبه سببها أن هنالك مَن رأى في التكفير حلاً سحرياً للتخلص من أعدائه وخصومه"، معتبراً أن "شيوع فكر التكفير ضرره كبير ولا نفع فيه".
الصورة: شيخ الأزهر أحمد الطيب/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659