بقلم خالد الغالي:

يتذكر الشيخ محمد عبد الوهاب رفيقي، الملقب بأبي حفص، والذي كان أحد أبرز رموز "السلفية الجهادية" في المغرب، شعوره غداة هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، ويقول "كنت ليلتها مَدعواً لمناسبة كبيرة بالمدينة العتيقة (بمدينة فاس). كان المجمع كبيراً والحضور ضخماً. وعلى سطح من أسطح المدينة، قريباً من جامع القرويين وضريح المولى إدريس الأكبر، ألقيت كلمة بالغة الحماسة والانفعال، وأعلنت أن يوم الحادي عشر من أيلول/سبتمبر هو يوم العرس الأكبر".

ويضيف أبو حفص في مراجعاته التي نشرتها الصحافة المغربية الصيف الماضي "مع كل الغل الداخلي الذي [كنت] أكنّه للولايات المتحدة، ومع كل الحماس الذي استرجعته بمخالطة التيار الجهادي وتحركي في أحضانه، آخر شيء كان يمكن أن أفكر به هو إن كان ذلك الفعل شرعياً أم لا، إن كان الذين قتلوا أبرياء أم لا، إن كان الهجوم على الآمنين في مقرات أعمالهم ديناً أم لا. تملكني شعور النصر والفخر والزهو والتشفي بكلّ ما تحمله هذه الكلمات من أحاسيس".

والشيخ أبو حفص من مواليد مدينة الدار البيضاء سنة 1974. درس العلوم الشرعية في المغرب وفي المملكة العربية السعودية، كما سافر إلى أفغانستان في صغره لزيارة والده الذي كان يقدم الخدمات الطبية للمقاتلين في الحرب ضد قوات الاتحاد السوفييتي في أفغانستان آنذاك. بعد عودته من السعودية، تصدى للتدريس في المساجد ودور القرآن إلى أن أصبح أحد نجوم السلفية المغربية مع بداية الألفية.

بين سنتي 2001 و2015، تغيّر الكثير من قناعات الشيخ أبي حفص. قضى تسعة أعوام في السجن على خلفية تفجيرات 16 أيار/مايو 2003 في الدار البيضاء (يتمسّك ببراءته منها)، قبل أن يفرج عنه بعفو ملكي سنة 2012. يحتلّ اليوم منصب نائب الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة المغربي. ويرفض وصف "السلفي"، قائلاً "أهمّ مراجعة قمت بها هي خروجي من عباءة السلفية إلى جلباب الإنسانية الواسع".

ولا يفوت أبو حفص الفرصة للإدلاء بصوته كلما طرح موضوع التطرف للنقاش، مركزاً على الدعوة إلى تنقيح التراث الفقهي. وهي الدعوة التي تجرّ عليه انتقادات حادة، خاصّة في الأوساط السلفية. انتقادات صاحبته منذ الفترة التي كان فيها سجيناً، بسبب المراجعات التي قادها من داخل زنزانته، ووصلت حتى التهديد بقتله.

مراجعات سلفية

سمّى أبو حفص مذكراته التي نشرها، الصيف الماضي، في الصحافة المغربية بـ"مراجعات لا تراجعات"، إلّا أنّه أوقف نشرها من دون أن يتطرق إلى مرحلة المراجعات التي يتحدث عنها اليوم لموقع (إرفع صوتك).

يقول الشيخ السلفي سابقاً "بعد تفجيرات الدار البيضاء، شنّت السلطات حملات اعتقال عشوائية. وجمع السجن بين أشخاص لا يحملون أي فكر جهادي، وهؤلاء لا مجال لدعوتهم إلى مراجعات، وبين أشخاص يحملون فعلاً فكراً جهادياً. بعضم كان يرفض الحوار مطلقاً. والبعض الآخر، ويتكوّن أساساً من طلبة الجامعة، كان يقبله. كان من السهل إقناع الصنف الأخير بالمراجعات، بل منهم من بدأ مسار المراجعات معي في الوقت ذاته، ثمّ سارع إلى المساعدة في فتح باب الحوار لإقناع الآخرين".

لم تحظَ مراجعات أبي حفص بتأييد رسمي من قبل السلطات. ويقول "طالبت بنقلي إلى سجون أخرى لفتح باب الحوار مع باقي السجناء للوصول إلى أرضية مشتركة وتضمين مراجعاتنا في وثيقة، غير أنّه لم تتم الاستجابة لطلبي، فبقيت المراجعات حبيسة السجن الذي كنت فيه".

تهديد بالقتل

بدأت "المراجعات" في السجون المغربية سنة 2005، ووصلت أقوى لحظاتها في آذار/مارس 2010، عندما أعلن أبو حفص عن مبادرة أطلق عليها اسم "أنصفونا"، تقوم على رفض التكفير والعنف والاعتراف بالمؤسسة الملكية. لم تلقَ المبادرة اهتماماً من السلطات المغربية. وفي الوقت الذي تبناها سجناء، عارضها آخرون بشدة. "هناك من مارس عليّ حرباً ضروساً، وصلت إلى حدّ تهديدي بالقتل، ما اضطرني إلى التقدم بشكوى لدى الشرطة"، يكشف أبو حفص.

شقّت مبادرة "أنصفونا" الصفّ السلفي نصفين، وصارت الأجواء داخل الزنازين مشحونة. وهو ما دفع بالإدارة إلى تقسيم كل السجون إلى قسمين: جناح المؤيدين للمبادرة في مقابل جناح المعارضين. بل صارت تسأل النزلاء الجدد عن موقفهم من المبادرة لمعرفة الجناح الذي ستضعهم فيه.

تنقيح التراث

بعد خروجه من السجن، انخرط أبو حفص في العمل السياسي وصار نائب الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة ذي التوجّه الإسلامي. تحوّلت معركته الأساسية إلى محاربة التطرف عبر الدعوة إلى "تنقيح التراث الفقهي". يقول أبو حفص "إذا أراد العلماء حقّاً محاربة الإرهاب، فيجب أن يضعوا أيديهم على المسبب الأساسي وهو الباعث الفكري. يجب التركيز على تنقيح التراث الإسلامي، في شقه الفقهي. فكيف نعطي القداسة لهذا التراث، ثم نتنكّر له حين يعتمده الشباب في أفعال إرهابية؟ كل ما تفعله التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، وينكره عليها العلماء، له أصله في التراث الفقهي. وقد انتبه داعش إلى هذه المسألة، فأصبح يُبرز، كلما قام بعملية شنيعة، النصوص الفقهية التي اعتمدها. ينكر العلماء على داعش أفعاله، ولا يجرؤ أحدهم على الالتفات إلى النصوص".

مشروع مؤجل

وتثير دعوات أبي حفص ردود فعل حادّة أحياناً، بعضها يأتي من قبل رفاق سابقين له. بعد إطلاق سراحه، أسّس، برفقة آخرين، دار الحكمة (مؤسسة فكرية) وجمعية البصيرة (جمعية دعوية)، غير أنّ المؤسستين فشلتا بسبب خلاف في التوجهات الفكرية للمشرفين عليهما. "في الوقت الذي كنت أفضل فيه خيار التعايش والانفتاح على أشخاص وتنظيمات لا تنتمي إلى التيار الإسلامي، بل حتى التي لها موقف من الدين، كان شركائي يفضلون خيار بناء الصف الإسلامي".

قبل أن يغلق حساباته قبل أشهر قليلة، كان أبو حفص نشيطاً على مواقع التواصل الاجتماعي وشغلت مواضيع تنقيح التراث غالب تدويناته. يقول "كتبت أيضاً بعض المقالات في الموضوع، وأشتغل الآن على كتابات مطولة".

بالإضافة إلى هذا، فتح الشيخ حوارات مباشرة مع الشباب حول مواضيع الإرهاب والتطرف.

"حلمي أن أنتقل بهذه الحوارات من مستوى حوارات شخصية إلى مؤسسة فكرية ترعى الحوار وتحارب التطرف، ويشتغل داخلها باحثون. الفكرة حاضرة في ذهني، والمشروع جاهز. لكن الأمر يحتاج إلى وقت ودعم مادي".

*الصورة: الشيخ محمد عبد الوهاب رفيقي، أبو حفص/من فيديو للشيخ على موقع يوتيوب.

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.