بقلم علي عبد الأمير:

في الحديث عن صعود التطرف في العراق وتجذّر الارهاب في مناطق واسعة من البلاد، قبل ظهور تنظيم داعش وبعده، هناك من يرصد عدداً من الأسباب التي فتحت عدداً من الثغرات التي نفذت منها المجموعات المسلحة وتمكّنت من تنفيذ مخططها الجهنمي.

ومن بين تلك الثغرات "الإجراءات القضائية الكارثية التي أدّت إلى تقوية قوى التطرف والمجموعات المسلحة وصولاً إلى تنظيم داعش الارهابي"، بحسب القاضي رحيم حسن العكيلي الذي سبق له أن أدار عملاً قانونياً وعدلياً عبر رئاسته لـ "هيئة النزاهة" لفترة قاربت الأربع سنوات.

ويرى العكيلي في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أنّه "من المبادئ المستقرة والعبر المستقاة من التجارب العالمية - وفق ما أشارت إليه استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب - أنّ الدول التي تختار مواجهة الإرهاب بالقوة الغاشمة وبانتهاكات حقوق الإنسان وانحراف العدالة وإهدار سيادة القانون.. تتفاقم لديها مشكلة الإرهاب مثلما حصل في العراق في العشر سنوات الأخيرة".

هذا إرهابي: أين الحقيقة وأين الاتهام الباطل؟

وفي حين نشطت الأجهزة الأمنية والقضائية العراقية في متابعة آلاف المواطنين ممن اتهموا بالضلوع في عمليات إرهابية، اتّضح لاحقاً أنّ "عدداً غير قليل ممن اعتقلوا وسجنوا كانوا من الأبرياء".

وفي هذا الصدد يقول العكيلي "كان للقضاء ولظروف العدالة الجنائية في العراق الدور الأكبر في هذا العامل التحفيزي لتنامي الإرهاب فيه، من خلال مواقفه (القضاء) في التعامل مع قضايا كثيرة متعلقة بهذا الملف، أدّى بعضها إلى تزايد النقمة والشعور بالظلم لدى مكونات عراقية معيّنة أضحت لا تأمن من اتهامها بالإرهاب وملاحقتها حتى وإن كانت بريئة. فاختارت أن تحمي نفسها باللجوء إلى من ظنّت بأنّ لديهم القدرة على الحماية من ظلم السلطة"، في إشارة إلى احتضان المجموعات المسلحة الإرهابية من قبل فئات اجتماعية، كانت ترى أنّها مستهدفة من قبل السلطة.

iraqi prison

سجون تنتج الإرهاب

ويورد القاضي العكيلي مؤشرات على وجود أخطاء كارثية في سجون عراقية ما لبثت أن صارت مؤسسات لإنتاج الإرهاب، موضحاً "كانت الاعتقالات الجماعية العشوائية وممارسات التعذيب لانتزاع الاعترافات وتوقيف الأبرياء لسنوات (تصل إلى 3- 9 سنوات) بلا محاكمة، وأوامر الاعتقال الموقعة على بياض، أو التي تصدر بلا أدلة أو بناء على ادعاءات المخبرين السريين، وعمليات الابتزاز المالي للمتهمين وذويهم، وبيع المتهمين وملفاتهم بمبالغ خيالية تصل لملايين الدولارات وظروف السجون القاسية وضغط الجماعات المتطرفة ومدارس الإرهاب وغسل الأدمغة العاملة داخل السجون، وفبركة التهم، وأخذ بصمات المتهمين على اعترافات تفترى في ضوء حقائق الجرائم الواقعة من دون علمهم، والحكم على الأبرياء بأحكام قاسية - تصل للإعدام - بناء على اعترافات غير صحيحة وبتحقيقات ومحاكمات غير شفافة لا تتوفر فيها أبسط معايير المحاكمات العادلة. كانت هذه مصانع كبيرة  للإرهاب".

ويردف العكيلي "لم يكن من وقع الظلم عليهم من المتهمين هم مادة تلك المصانع الأولية فقط، بل تشكّلت كذلك من أبنائهم وإخوتهم وباقي أقربائهم الذين تعرضوا للابتزاز أيضاً، فاضطروا إلى بيع كل شيء كالمنازل والأثاث والسيارات، ليدفعوها رشاوى للجهات التحقيقية والقضائية الفاسدة لإنقاذ أبنائهم من ظلم إجراءات العدالة التي عرف عنها بأنّها نفق مظلم لا أمل فيه بالإنصاف أبداً".

الفساد يمول الإرهاب

ويوضح العكيلي ما بات حقيقة في الواقع العراقي وهو أنّ "الفساد يموّل الإرهاب"، مؤكّداً "كان لتخاذل القضاء والادعاء العام عن القيام بدوره في المساءلة القضائية لكبار المتهمين بالفساد من المسؤولين المدنيين والعسكريين أثره الكبير في تنامي معضلة الفساد التي يتفق على أنّها البوابة الكبيرة للإرهاب ولتمويله. وأدّى هذا إلى تفاقم الفساد في المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية وقياداتها - التي كان ولا زال القضاء يتجنبها ويجاملها ويتغاضى عن انتهاكاتها، بل ويغطى جرائمها - ممّا قاد في النهاية إلى الانهيار المخزي لتلك المؤسسة - المنخورة بالفساد والظلم والتجاوزات - أمام عصابة إرهابية في أواسط عام 2014".

ويشدّد الرئيس الأسبق لـ "هيئة النزاهة" العراقية على أنّ لـ "عجز القضاء والادعاء العام عن القيام بدوره في ملاحقة جرائم غسل الاموال وتمويل الجريمة والإرهاب، أثر كبير في استمرار التدفق المالي للجماعات الإرهابية، إذ لم يتمكن القضاء العراقي من تطبيق قانون مكافحة غسل الأموال رقم 93 لسنة 2004 إلّا في حالات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، رغم استشراء جرائم غسل الأموال وتمويل الجريمة وتمويل الإرهاب".

ويخلص القاضي العكيلي إلى أنّ "غياب العدالة وسيادة القانون وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان من أهمّ عوامل نشوء الإرهاب ومن أخطر عوامل تفاقمه في الدول التي نشأ فيها. وإنّ إصلاح نظام العدالة الجنائية ودعم سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان عوامل تشكّل الضامن الأساسي لمكافحة الإرهاب، وإلّا فإنّ القوة والقهر لن يصنعا إلّا المزيد من الإرهاب والإرهاب المقابل" .

*الصورة: من سجن ابو غريب قرب بغداد/وكالة الصحافة الفرنسية

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.