بقلم حسن عبّاس:

تعجّ مواقع الفتاوى على الإنترنت بالفتاوى والمقالات التي أقل ما يُقال عنها أنها تحضّ على العنف. هكذا، قد يجد أي مواطن يريد نصيحة دينية بسيطة نفسه يدخل إلى قاعدة بيانات تبرّر أفعال الجماعات الإرهابية، إنْ لم نقل أنها تطالبه بالاقتداء بها.

كي لا يبقى الموضوع نظرياً، قمنا بتجربة بسيطة: على محرك غوغل للبحث كتبنا "موقع فتاوى"، واخترنا النتائج الثلاث الأولى. وفي كل موقع كتبنا على محرك بحثه الخاص "الجهاد" لنطّلع على ما يقدّمه للقراء.

"إسلام ويب": أعدّوا أجسامكم للجهاد

يعرّف موقع إسلام ويب عن نفسه بأنه موقع إسلامي دعوي، ويضع ضمن أهدافه "إبراز محاسن هذا الدين (الإسلام) وشموليته واعتداله". أما مركز الفتوى الذي يسترشد به فهو بحسب الموقع "تابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر".

في فتوى تنطلق من سؤال "ما موقفكم من الجهاد في ظل الأوضاع التي يعيشها إخواننا المسلمون المضطهدون في كل أنحاء العالم؟"، يجيب الموقع بكل بساطة أن "الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم فرداً أو جماعة ودولة من إخوانه المسلمين عموماً هو ما يأمر به الشرع الحكيم من القيام بواجب الأخوة الإسلامية من التولي والنصرة... فإن نصرتهم واجبة ومتعينة بالمال والدعاء، وشرح قضيتهم، واتخاذ المواقف المناصرة لهم. وبالجملة فإن من حقهم على إخوانهم المسلمين أن يفعلوا كل ما في وسعهم لكف الأذى عنهم".

هكذا أجاب الموقع بكل خفّة دون أن يناقش معنى الظلم أو شروط الجهاد، بل ترك للسائل الحرية في تخيّل ما يشاء وأعطاه الحق في اتخاذ أي قرار، بدءاً من تمويل جماعات (حتى وإن كانت هذه الجماعات إرهابية ومتطرفة وتدعو إلى قتل الأبرياء كما يفعل تنظيم داعش أو القاعدة وغيرها)، وصولاً إلى الانخراط في العمل المسلح معها.

وفي فتوى أخرى، يسأل أحدهم "هل ممارسة رياضة كمال الأجسام (بناء الأجسام) تتعارض مع ديننا الحنيف؟ وهل يجوز ممارستها؟"، فيجيبه الموقع أنه "إذا كان الغرض من الرياضة هو إعداد الجسم ليكون صالحاً لأداء فريضة الجهاد - بالمفهوم الواسع للجهاد - قادراً على إعلاء كلمة الله فالرياضة واجبة ومتعينة، بناء على ما أصَّله التشريع الإسلامي من أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وامتثالاً لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".

وفي هذه الفتوى، الموقع هو من أقحم فكرة الجهاد في عقل السائل بلا مناسبة. كان السائل يريد ببساطة أخذ رأي شرعي في مسألة بسيطة فأتى الموقع ليحدثه عن الجهاد "بالمفهوم الواسع"، أي بما يتضمن الالتحاق بجماعات تسمّي نفسها "مجاهدة".

موقع يروّج للقاعدة!

الموقع الثاني بحسب ترتيب نتائج غوغل هو طريق الإسلام. يعرّف الموقع عن نفسه بأنه "مشروع إسلامي يأمل في المساهمة بقوة في الإعلام الإسلامي" ويضع ضمن أهدافه "تربية جيل صاعد وتصحيح المفاهيم".

واللافت أن الموقع الذي يهتم بالصوتيات الإسلامية وفيه قسم للفتاوى والمقالات وغيره، أسّسه، عام 1998، الناشط المصري الذي شاع اسمه بعد الثورة المصرية وائل غنيم قبل أن يتبرّع به، عام 2000، إلى إحدى الجمعيات الإسلامية في أميركا. لا يذكر الموقع في تعريفه أيّة جهة تشرف عليه، ولكن من أخبار تناولت الموقع وأعاد هو نفسه نشرها، يتّضح أنه تحت إشراف التجمع الإسلامي في أميركا الشمالية.

في قسم الصوتيات، نجد نشيداً بعنوان (أبشر) ويبدأ بصوت يقول "لها نغم وللنغم ارتياح، وقلب لا تفتّته الرماح. إنه نغم الرصاص الحر وتغريده فوق هامات الجبال. إنه الجهاد". ثم يبدأ النشيد الذي يحث على الجهاد ومن كلماته "حياة الحُر في الدنيا جهاد/ ففيه النور يبدو والفلاح". ونجد نشيداً آخر بعنوان (إلى الجهاد) تقول كلماته "إلى الجهاد فتية الإيمان هبّوا وانهضوا... سنصبح ناراً على الظالمين/ نحرّق فيهم صفوف العناد".

أما بخصوص ما يبثه من مواد يسمّيها "تربوية"، فنقرأ مثلاً مقالاً لعبد الله عزام بعنوان "جهادٌ.. لا إرهاب!"، ينتقد "المدارس العقلية الحديثة" التي تريد "أن تُظهر الإسلام ديناً دفاعياً، لا يمكن أن يقاتل إلّا دفاعاً عن حدود جغرافية"، وهو ما يرفضه أب الأفغان العرب، سلف تنظيم القاعدة، مؤكداً أن الهدف هو "نشره حتى يعم رُبوع العالمين".

"صيد الفوائد": دعوات صريحة للجهاد

يحتل موقع صيد الفوائد المرتبة الثالثة في ترتيب نتائج غوغل. عبثاً تبحث في الموقع عن كلام يشير إلى هوية المسؤول عنه، لكن طبيعة الفتاوى والأسماء التي ينشر لها تؤكّد أن ميوله وهابية، على الرغم من أنّه يتضمن أيضاً مقالات تنتقد فتاوى لرجال دين سعوديين.

ومما يمكن أن نقرأه فيه نصاً كتبه د. عبد الله قادري الأهدل بعنوان "أبدية الجهاد في سبيل الله" ويأتي فيه أنه "كون الإسلام ديناً عالمياً يجب على جميع الناس أن يدخلوا فيه ويجب على المسلمين أن يبلغوهم إياه ويدعوهم إليه، يقتضي أبدية الجهاد"، أي أنه يريد أن يستمر الجهاد حتى تحوّل كل البشر إلى الإسلام.

الصورة: بعض مواقع الفتاوى تحرّض على العنف/ موقع Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.