بقلم خالد الغالي:

ردّ المملكة العربية السعودية على النشاط المتزايد للمتطرفين السعوديين على شبكة الإنترنت جاء عبر إطلاق حملة شعبية حملت إسم (السكينة) تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية. وتقوم المبادرة على فكرة انتشار أعضاء الحملة في المواقع والمجموعات والمنتديات  وصفحات التواصل الاجتماعي لرصد "الأفكار المتطرفة" والرد عليها.

يشتغل أعضاء الحملة بصفاتهم الشخصية أو بأسماء مستعارة. ويكون النقاش مفتوحاً وعلنياً عبر المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي أحياناً، أو مباشراً عبر الرسائل الخاصة أو برامج المحادثات الثنائية.

تملك حملة السكينة موقعاً الكترونياً على شبكة الانترنت بأربع لغات: العربية والإنجليزية والروسية والتركية. وهو مليء بالفتاوى والخطب والمحاضرات للرد على "الأفكار المنحرفة" و"شبهات الغلاة"، كما يتضمن ملفات عن الجماعات الإسلامية المسلحة وقياداتها ونشاطاتها.

وكان الإرهاب قد ضرب بقوة في السعودية سنة 2003، وذلك عندما هزّ أكثر من انفجار العاصمة الرياض. كما شهد ذلك العام تحديداً تغييراً جذرياً في استراتيجية عمل التنظيمات الإرهابية على شبكة الإنترنت.

فقد شكّل عام 2003 "إنطلاقة المواقع والشبكات الإنترنتية للجماعات والتنظيمات المنحرفة داخل المملكة العربية السعودية. وكانت قبل ذلك تتصل عبر مواقع خارجية، لكنها بدأت في هذه السنة تصدْر وتصدّر المعلومات من مواقع داخلية"، حسب تقرير رفعته حملة (السكينة) إلى مؤتمر دولي حول محاربة الإرهاب نظمته السعودية في العام 2014.

ويقول المشرفون على الحملة إنّها ساهمت في تصحيح أفكار 1500 فرد من أصل 3250 تمت محاورتهم، مؤكدين أنّهم يحتفظون بنسخ عن جميع الحوارات.

"نعم"، يقول فريق التنسيق التابع للحملة في رسالة الكترونية إلى موقع (إرفع صوتك)، "الحوارات محفوظة وهي لخدمة الباحثين والمختصين تمّ جمعها في مجموع أسميناه (وثائقي السكينة)، واستفاد منه 20 باحثاً وباحثة في جامعات سعودية وغير سعودية. والاطلاع عليه يكون مباشرة ورقياً ولا يناسب نشره في الإنترنت لأنّ تفاصيل الحوارات تهم الباحثين فقط ولا تهم عموم الناس".

غير أنّ ما يلفت الانتباه في حملة السكينة هو أنّها تتحوّل في بعض من مواضيعها إلى واجهة للدعاية السياسية الحكومية، فموقعها الالكتروني حافل بالملفات حول إيران و"علاقتها" بالقاعدة، وحول الشأن الإيراني الداخلي، كما أن الموضوع اليمني حاضر بقوة في الحملة التي خصصت أبواباً من موقعها الرسمي لدعم (عاصفة الحزم)، وهي الإسم الذي أطلقته السعودية على العمليات العسكرية في اليمن، والتأصيل لها شرعياً. وأحياناً يصير للتطرف تعريفه الخاص، من وجهة نظر الحملة، فالتظاهرات التي قامت في الدول العربية بعد سنة 2011 دعوة إلى الفرقة والفتنة، أما الأحزاب والتنظيمات السياسية فهي أقرب إلى أن تكون محرمة.

كيف يتم العمل؟

تبدأ الخطوة الأولى باختيار المواقع والحسابات والصفحات التي سيتم استهدافها. يقول عبد المنعم المشوح، رئيس الحملة، في تصريح لموقع (إرفع صوتك) "نحاول التركيز على ما تتوفر لدينا فيه فرص للنجاح. فحملة السكينة ما زالت طاقتها وقدراتها محدودة جداً، لا تستطيع تحميل برامجها انتشاراً أوسع. لكنّها تستطيع التركيز على مجموعات والخروج بنتائج إيجابية".

ويؤكد المشوح أن الحوار مع المتطرفين ليس سهلاً، "فأنت تتعامل مع مادة فكرية وعاطفية مخفية داخل الطرف الآخر، من الصعب قياسها أو التحكم بها.. لكل شخصية خارطتها، والمهم هو أن تفتح للطرف الآخر فرصا للتفكير والتحليل والبدء في مراجعة الأفكار الخطيرة".

وعلى عكس ما هو متوقع، يوضح المشوح أن "الحوار مع الجيل الحالي للإرهابيين يحتاج إلى تغليب وتوسعة " الحوار المدني" (أي النفسي والاجتماعي والسلوكي والمعرفي) أكثر من الحوار العلمي الشرعي. الحوار المدني هو ما نبدأ به في التواصل والمناقشة ثم ننتقل للحوار العلمي التخصصي عند الحاجة".

حوار مع منظر القاعدة

فتحت حملة السكينة بعد تفجيرات الرياض سنة 2003 حواراً ملفتاً للإنتباه مع أحد أنشط عناصر القاعدة فوق التراب السعودي. يتعلق الأمر بعبد العزيز العنزي، عضو "اللجنة الشرعية والإعلامية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب". كتب العنزي في أيلول/أكتوبر 2003 مقالاً على أحد منتديات الانترنت تحت عنوان "سعودة المشاريع الجهادية"، داعياً إلى نقل أعمال العنف إلى داخل المملكة العربية السعودية.

وقد سمح له إلمامه الشديد بوسائل الاتصال الحديثة أن ينشط بقوة على المواقع الالكترونية المتشددة، إذ كان أحد المشرفين على مجلة الكترونية ناطقة باسم التنظيم.

بعد المقال حول "سَعوَدَة المشاريع الجهادية"، دخل أعضاء حملة السكينة في حوار مطول مع العنزي الذي كان ينشط حينها تحت اسم مستعار هو "أخو من أطاع الله". بدأ الحوار على منتدى موقع (الساحة العربية) والذي أغلق سنة 2009، قبل أن يتحول إلى حوار ثنائي خاص عبر برامج المحادثات "ماسنجر".

دام الحوار أربعة أشهر، وكادت المحاولة أن تنجح، فلم يكن العنزي بعيداً عن التراجع عن أفكاره، فقد نشرت الصحافة السعودية أنّه تراجع عن تكفير العلماء.

ولكن فجأة، استأذن "أخو من أطاع الله" بأدب عن إكمال الحوار، ثم اختفى. وذلك قبل أن تعلن السلطات الأمنية القبض عليه في أيار/مايو 2009.

* الصورة: جندي سعودي في أيار/مايو 2003 أمام مبنى استهدفه تفجير انتحاري/وكالة الصحافة الفرنسية

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.