بقلم حسن عبّاس:

نجح الأكراد السوريون بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي، وبالتعاون مع المكوّنات القومية الأخرى، في انتزاع مناطق عدّة من سيطرة داعش. وهم الآن يواجهون تحدّي القضاء على الظروف التي ساعدت هذا التنظيم على التمدّد.

وكانت دراسة أعدها معهد IHS Jane's الأميركي، قد أكّدت أن الأراضي الواقعة تحت سيطرة الأكراد السوريين زادت بنسبة 186% خلال عام 2015.

وكان أبرز الإنجازات تحرير مدينة تل أبيض في حزيران/يونيو الماضي. وإضافة إلى هذه المدينة التي يعيش فيها عرب وأكراد وأرمن وتركمان، حرّرت قوّات سورية الديموقراطية (قوات كردية عربية مشتركة) الأراضي الواقعة غرب مدينة رأس العين (سري كانيه) وصولاً إلى تل أبيض، وهي منطقة متعددة القوميات أيضاً وغالبية سكانها عرب، كما حرّرت قرى كثيرة في جنوب محافظة الحسكة.

إزاحة همّ داعش

وعن مرحلة سيطرة داعش، يقول إبراهيم عبد الرحمن باشا لموقع (إرفع صوتك) "الناس عانت كثيراً تحت سيطرة داعش".

ويروي عبد الرحمن باشا، وهو مدير منتدى الخابور المدني (منظمة غير حكومية تعمل على بناء السلام ونشر الأفكار المدنية في المجتمع) أنّ الوضع كان سيئاً جداً على صعيد الحريات بشكل عام وخاصة بالنسبة لغير الموالين لداعش، "فقد عانوا من تضييق كبير على حرياتهم وما يمارسه داعش صار معروفاً للجميع".

ويضيف "إعتبر داعش المحامين كفاراً وفرض عليهم الالتحاق بدورات استتابة ليعفي عنهم، وكان يجبر الناس على التجمع في الساحات حين ينفذ الإعدامات لمشاهدة ما يحصل"، ذاكراً قصّة ابن صديق له عمره ثماني سنوات عانى من آثار نفسية حادة بعد إجباره على مشاهدة قطع رأس أحد الأشخاص.

ويتابع "الوضع كان سيئاً أيضاً من الناحية الاقتصادية. فهذه المناطق تعتمد على الزراعة وترتبط الصناعة والتجارة بها، وقد توقفت الزراعة بنسبة 80% خاصة أن داعش لم يكن يدعم المزارعين"، مضيفاً أن الكثيرين هاجروا ولم يبقَ إلا "الدراويش والفقراء"، بحسب تعبيره، شارحاً أنّ "التجارة كان يحتكرها الموالون لداعش ومبايعوه، وازدهرت تجارة النفط وأنشأ هؤلاء الموالون حرّاقات لتكريره".

تحسّن كبير ولكن..

الصحافي سيروان قجو قام مؤخراً بزيارة مناطق سيطرة الأكراد السوريين، والتقى بأشخاص من بلدة تل أبيض الحدودية التي حُرّرت من داعش.

ويقول لموقع (إرفع صوتك) إنّ معظم المناطق السورية التي حُرّرت مؤخراً من عناصر داعش تتمتع باستقرار نسبي. ويذكر أنّه "بعد تحرير تل أبيض مباشرة، تمّ تشكيل مجلس مدني لإدارة المدينة وتقديم الخدمات للسكان المحليين"، مشيراً إلى أن "القالب العسكري ما زال يغلب على الوضع الميداني، كون المعارك مع داعش ما زالت مستمرة".

ويؤكّد قجو أنّه لا يمكن مقارنة وضع السكان حالياً مع ما كان عليه أثناء حكم داعش، "فالقوات الكردية علمانية ولا تفرض أيّة قيود على الأفراد وهنالك هامش من الحريات تعمل فيه مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام".

ويشير إلى أنّ الحساسية الكردية - العربية تنعكس على موقف العرب من الوحدات الكردية، على الرغم من أنّ المجلس المحلي الذي يدير المدينة يتألف من أعضاء عرب وأكراد ومكونات أخرى.

من جانبه، يلفت عبد الرحمن باشا إلى أنّ هنالك سلطة في تلك المنطقة يشارك فيها العرب الأكراد في القوات الأمنية (الأسايش) وفي القوات المسلحة المعروفة باسم قوات سورية الديموقراطية.

ويشير إلى أنّ الوضع الاقتصادي لم يتحسّن كثيراً، عازياً ذلك إلى إغلاق تركيا للمنافذ الحدودية مع مناطق سيطرة الأكراد السوريين. لكنّه يلفت إلى أنّ "الإدارة الذاتية توزّع على الناس بذاراً وتنزع الألغام من أراضيهم لكي يزرعوا ويصمدوا".

عوامل توتر كثيرة

الصورة بجميع الأحوال ليست وردية. إذ يؤكّد باشا أنّ "الوضع صار أفضل لكنّه ليس جيداً بالكامل. فهنالك تضييق على المعارضة السياسية وعلى حريات كل مَن يريد النشاط في الحقل العام والعمل السياسي. وهذا النوع من التضييق لا يشعر به المواطن غير المسيّس، لكن تعاني منه النخب".

ويشرح أنّ بعض وجهاء العرب يرفضون المشاركة في سلطة يترأسها الأكراد وهنالك شريحة من العرب تحاول زعزعة الاستقرار الذي حصل في المنطقة من خلال إثارة النعرات القومية، "لكنّ مجموعة لا بأس بها من الوجهاء والشخصيات الاعتبارية صارت من أصحاب القرار، حتى أنّ بعض المشايخ العرب عادوا من تركيا ودخلوا في المنظومة الجديدة".

بدوره، يقول قجو إنّ القوات الكردية "قد تكون ارتكبت بعض الأخطاء وتعاملت مع تل أبيض على أنها منطقة عسكرية. لكن وفقاً للنهج السياسي لهذه الوحدات، هي تحرص على الاهتمام بغير الأكراد".

المشكلة الأبرز حالياً، برأي عبد الرحمن باشا، هي العقلية العسكرية "فالعسكر يستقوون بالسلاح ولا يخضعون بالكامل للسياسيين وهذا قد يؤثر سلباً على المستقبل، ويشتكي منه سياسيون في حزب الاتحاد الديموقراطي (أقوى حزب كردي سوري والمحور الذي تدور حوله مؤسسات الإدارة الذاتية)".

ماذا عن المستقبل؟

يخشى البعض من أن تؤدي عناصر التوتر التي لا تزال قائمة إلى توفير الظروف لداعش ليلعب مجدداً على الانقسامات الاجتماعية واستعادة السيطرة على ما تحرّر. لكن برأي عبد الرحمن باشا، فإن "فكرة الحاضنة الشعبية هي فكرة غير دقيقة، والقرار هو لحامل السلاح وللأقوى".

من ناحيته، يستبعد قجو أن تستطيع داعش الدخول مجدداً إلى المناطق الكردية "لعدم وجود حاضنة شعبية لداعش في هذه المناطق"، لافتاً إلى أن "الدعم الجوي الذي تتلقاه قوات سورية الديمقراطية من التحالف الدولي يجعل الأمر صعباً للغاية".

وتبقى النقطة الأهم، بحسب عبد الرحمن باشا، هي "حاجة سورية الماسة إلى ثقافة مدنية وإلى إزالة النزعات القومية والقبلية والعشائرية التي ستؤدي إلى مشاكل في المستقبل لو بقيت، وضرورة اعتبار الجميع أن سورية وطن للجميع وتحييد السياسة عن الدين".

الصورة: القوات الكردية تحتفل بالسيطرة على تل أبيض/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.