بقلم هاني الفردان:
أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد زغبي في واشنطن أن أغلب الشباب العربي يرفضون التطرف، ويرون أن المنظمات الجهادية، كتنظيمي داعش والقاعدة وأخواتهما تشوه صورة الإسلام.
ومع ذلك، فإن ظاهرتي "التطرف والعنف" في المجتمعات العربية وخصوصاً في أوساط الشباب العربي أصبحت متنامية، بل متسارعة في ظل ما تشهده المنطقة العربية من تداعيات منذ ثورات الربيع العربي. ورد فعل الأنظمة العربية على تلك الثورات وما نتج عنها من سلبيات كثيرة لسنا في وارد ذكرها حاليا.
تنامي التطرف في أوساط الشباب العربي ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج تراكمات وإرهاصات عقود من حكم الأنظمة ذات الوجه الواحد وغير الديموقراطية. وهو ما فرض على الشباب العربي ظروفاً قاسية وصعبة ومعقدة، خلقت حالة من الاغتراب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الداخلي، ما ولد لدى الكثيرين من الشباب حالة رفض للواقع الذي يعيشونه ويتجهون نحو خيارات التمرد والرفض ومن ثم الثورة بأي شكل على واقعهم المعاش.
خيار العنف كان المساحة الأخيرة التي وجد الشباب العربي نفسه أمامها لكي يلفت الأنظار إليه.
إذ لم يكن أمام محمد البوعزيزي، الشاب التونسي الذي قام يوم الجمعة (17 ديسمبر/ كانون الأول العام 2010) بإضرام النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد، احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية عربة كان يبيع عليها الخضراوات والفواكه لكسب رزقه، وللتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها في حق الشرطية فادية حمدي التي صفعته أمام الملأ، وقالت له "إرحل"، إلا خيار "العنف" وحرق نفسه. ليفجر دون أن يعلم بذلك ثورة شباب عربي في دول عديدة امتدت من المحيط الأطلسي غرباً إلى أطراف الخليج العربي شرقاً.
العنف الذاتي الذي انتهجه البوعزيزي بحرق نفسه قاد في مرحلة من المراحل إلى إضرام على الأقل 50 مواطناً عربيّاً النار في أنفسهم لأسباب اجتماعية متشابهة، تقليدًا لاحتجاج البوعزيزي.
"العنف الذاتي"، انتقل إلى "العنف العام" في الاحتجاجات، عبر وسائل متعددة، منها ما هو بسيط كإغلاق الطرقات وحرق الإطارات، ومنها ما هو كبير كإحراق المنشآت وحرق المقرات الأمنية. حتى أدى ذلك التصادم بين الشباب الغاضب والأنظمة العربية إلى إزهاق أرواح الكثيرين.
بعد خمس سنوات من ثورات الربيع العربي، استطاعت الأنظمة العربية إحكام سيطرتها مجدداً على الواقع المعاش. وعلى رغم كل ما يقال عن تغيير في منظومات تفكير تلك الأنظمة وانتهاجها سياسات منفتحة على الشباب لاحتوائهم وتحقيق مطالبهم، مع احترام الحقوق السياسية والمدنية لمواطنيها، فإن الواقع يقول عكس ذلك. فقد تعرض الكثير من الشباب العربي لمحاكمات، وزجَّ بهم في السجون تحت ذرائع مكافحة "التطرف والإرهاب".
واكب الزج بالشباب العربي في السجون بدلاً من احتوائهم ودمجهم في المنظومة المجتمعية وحل قضاياهم ظاهرة الإفلات من العقاب، لتعزز ذلك الحيف والغبن الذي لحق بالضحايا وذويهم وهم يرون الجناة ومنتهكي حقوقهم بعيدين عن المساءلة والمحاسبة وقبضة العدالة.
عدم احتواء الشباب العربي والإمعان في انتهاك حقوقه، مع انتهاج سياسات الإفلات من العقاب وعدم استيعاب أسباب الثورات العربية والانقلاب عليها بطرق مختلفة، عوامل مؤدية ومساعدة لتنامي ظواهر العنف والتطرف بين الشباب في عالمنا العربي.
عن الكاتب: هاني الفردان كاتب وصحافي بحريني متخصص في السياسية والاقتصاد ومجالات حقوق الإنسان وناشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كتب للعديد من الصحف منها الوسط البحرينية ، وهو مؤسس ورئيس تحرير موقع صوت المنامة.
لمتابعة الفردان على تويتر، إضغط هنا.