المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

ساهمت الأوضاع المتردية التي يمر بها العالم العربي والإسلامي خلال السنوات الأخيرة في بروز أفكار وتيارات متشددة غذت التطرف وأدت إلى ظهور جماعات ترى في القتل وسفك الدماء وسيلة لنشر أفكارها المسمومة وتحقيق مآربها.

حتى أن هذه الجماعات استخدمت الدين لتبرير أفعالها، ومن ضمن هذه الجماعات تنظيم داعش الإرهابي، الذي يربط كل ما يقوم به من أفعال وحشية بالدين الإسلامي، وهو ما يراه أغلب المسلمين أباطيل ألصقت بدينهم البريء من هذا التنظيم.

يتفق أغلب المسلمين على أن استغلال داعش للدين الإسلامي الحنيف، وتقديم نفسه على أنه "دولة الخلافة" التي تطبق الشريعة الإسلامية ما هو إلا باطل.

موقع (إرفع صوتك) حاور الفقيه المجدد ورئيس المجلس العلمي لمدينة تمارة في المغرب، لحسن السكنفل، حول الأخطاء الفقهية التي يرتكبها تنظيم داعش الإرهابي، ومن ضمنها القتل باسم الإسلام، وكيف استغل "داعش" والجماعات الإرهابية الدين لتبرير ممارساتهم الوحشية، إضافة إلى مواضيع أخرى يتضمنها الحوار التالي.

س: هل هناك ما يبرر "قتل الأبرياء" في الدين الإسلامي؟

ج: إن الإسلام دين السلام والسلم والمسالمة، لا يجيز بأي حال قتل الأبرياء، قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) وقال سبحانه (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا). وقال صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يبعث الجيوش يوصي قائد الجيش ومن معه من الجنود بأن لا يقتلوا طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً مسناً، ولا من لم يحمل السلاح ولا أسيراً ولا جريحاً، وبالتالي فالإسلام لم يدع أبداً إلى قتل الأبرياء.

س: ما هو موقف الدين من ممارسات داعش كقتل الصحافيين وقتل أشخاص كفّرهم التنظيم أو قتل من يخالفهم؟

ج: هذه الممارسات مرفوضة شرعاً وخلقاً وطبعاً وديناً لأن هؤلاء الصحافيين إنما يقومون بواجبهم، فلهم الأمان. ونفس الأمر بالنسبة للمخالف في الرأي، فحق الاختلاف مكفول في ديننا ما دام المخالف يحترم مقدساتنا وشعائرنا ولا يتطاول عليها، بالتشويه والتحريف. قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

س: هل يحق للمسلم قتل غير المسلم؟

ج: "غير المسلم" الذي يعيش في كنف الدولة الإسلامية وحمايتها إن كان من أهل البلد فهو مواطن له كامل حقوق المواطنة، تحترم ديانته وثقافته ويحترم هو في شخصه وفي عرضه وفي ماله، ما دام ملتزماً باحترام قانون بلده وحقوق المواطنين من غير دينه أي من المسلمين. وقد عاش اليهود ممن وفوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم معززين مكرمين، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي. وأما إن كان مقيماً فهو في ذمة الدولة ولا يجوز التعرض له بسوء في نفسه وماله وعرضه ما دام محترماً لدين البلد وقيمه وأخلاقه والقوانين التي يسير عليها.

كيف يستغل داعش الدين الإسلامي لتبرير أفعاله الإجرامية؟

ج: هذه التنظيمات الإرهابية التي تبيح القتل وتعتقد أن بناء الدولة الإسلامية إنما يكون بالتدمير والقتل والترهيب، في الغالب الأعم تستغل الأحداث التي تعيشها الأمة بسبب فرقتها وبسبب انعدام الديمقراطية في بعض بلدانها، وبسبب اعتداء الاستعمار الجديد على أراضيها لتبرير همجيتها المقابلة لهمجية الاستعمار وأذنابه.

والإسلام وإن أجاز مكافحة الظلم ومواجهة الظالمين، فإنه لم يجز الاعتداء على الآمنين المسالمين من المسلمين ومن غيرهم، فهؤلاء يستغلون بعض القراءات الفقهية التي نتجت عن أوضاع حدثت في تاريخ المسلمين لإسقاطها على واقعنا اليوم.

هل التفجيرات الإرهابية والعمليات الانتحارية مقبولة في الشريعة الإسلامية؟

ج: التفجيرات الإرهابية التي تقوم بها هذه الجماعات هي مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية التي تؤكد على حرمة الدماء، وخصوصاً الأبرياء الذين يعيشون في بلدهم. أما العمليات الانتحارية فلا تجوز إلا أثناء العمليات الحربية، خصوصاً إذا كان الجيش محاصراً فتأتي هذه العمليات الانتحارية لفك الحصار، حيث يضحي أحد أفراد الجيش بنفسه ليضمن السلامة لباقي أفراد الجيش.

هل تستغل التنظيمات الإرهابية الجهل لغسل دماغ أتباعها؟

إن الدين الإسلامي تام كامل لا فجوة فيه، لقول الله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، إنما تستغل الحركات الإرهابية الشباب خصوصاً وأتباعها عموماً نتيجة الفقر والهشاشة والجهل بحقائق الدين. حيث تقوم هذه الحركات بتجنيد أمثال هؤلاء لأن الواقع الاجتماعي المتخلف يسهم بشكل كبير في سهولة استقطاب مثل هؤلاء، وهناك أمر آخر وهو الفراغ الروحي وسيادة العنف داخل بعض المجتمعات. وحينما ننظر بتمعن في نوعية المستقطبين سواء من العالم الإسلامي أو من أوروبا، نجد أن الجامع بين كل هؤلاء المستقطبين هو الفقر والهشاشة والجهل بحقائق الدين.

كيف يمكن دحض هذه المزاعم والافتراءات لتبرئة الإسلام مما نسبه داعش له؟

ج: الإسلام دين لله ارتضاه لعباده منهجاً في الحياة ليعيشوا في أمن وأمان وسلم وسلام سواء من كان مسلم أو غير مسلم باحترام تام للعقيدة وللشعائر الدينية وللأخلاق والقيم التي تعين على التعاون على البر والتقوى.

وقد شرع الإسلام لدفع الظلم ورد العدوان القتال بقواعده وآدابه وشروطه بحيث يكون لدفع العدوان ورد الظلم وليس للاعتداء والاستعلاء والبغي. الإسلام دين للناس كافة سواء من آمن به أو من لم يؤمن لأن الخلق كلهم عيال الله، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله. ودور العلماء والإعلام مهم جداً في نشر فكر التسامح والتعاون والتعايش لعمارة هذه الأرض دون بغي ولا تطاول ومن دون إرهاب أو عدوان.

*الصورة: مسجد الحسن الثاني في ساحل مدينة الدار البيضاء في المغرب/shutterstovk

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.