بقلم حسن عبّاس:

"صار واجباً على جميع المسلمين مبايعة الخليفة". هذا ممّا قاله الناطق الرسمي باسم داعش أبو محمد العدناني في خطابه الذي أعلن فيه أن أبا بكر البغدادي بويع خليفة للمسلمين. لكن فكرة الخلافة نفسها ليس عليها إجماع بين المسلمين.

الخلافة مجرّد نظام حكم

"الخلافة هي نظام سياسي لحكم الدولة لا أكثر، وقد تكون صالحة وقد تكون سيئة"، قالت لموقع (إرفع صوتك) أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية في جامعة الأزهر آمنة نصير، منتقدةً الادّعاء بأن الخلافة ضرورية لصلاح حال المسلمين.

وأشارت إلى أن "الخلافة ليست أصلاً من أصول الدين ولا من أصول العقيدة". وتعليقاً على آراء نجدها في كتابات فقهاء قدامى ويقولون فيها إن الخلافة من أصول الدين قالت "إن هذه آراء بشر. ليقل ما يقول هؤلاء الفقهاء. فالفقيه أو المفكّر أو الفيلسوف هو ابن بيئته وابن عصره. لقد امتدح بعضهم الخلافة، لكن هذه مجرّد أنظمة سياسية مرّت على بلادنا وبالتالي مرّ مَن يدعمها ويشجّعها".

ولفتت إلى أن "الإسلام يريد من الحاكم أن يكون عادلاً ورحيماً وحكيماً. وكل وسيلة توصل إلى العدل وحماية النفس البشرية وإشاعة الأمن والطمأنينة واستقرار شعوبنا يقبلها الإسلام. فالأساس هو تحلّي نظام الحكم بالعدل وتحقيقه للاستقرار والنمو والديموقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان، أما التسمية فهي غير هامّة".

"الخلافة الإسلامية لم تكن مثالية"

وردّت نصير جاذبية مصطلح الخلافة عند بعض المسلمين إلى "نوع من التخبّط والغربة عن زمننا الحاضر. فعندما افتقدوا ما يتمنّونه في زمننا أخذوا يبحثون عنه في الماضي وتصوّروا أن أزمنة الخلافة كانت نموذجية ومثالية. وهم أخذوا من الماضي فقط ما كُتب عنه من جماليات".

وتابعت "هذا مجرّد هروب من مرارة الواقع. فالنفس البشرية حين تضيق بحاضرها تذهب إلى الماضي لعلّها تجد فيه ما افتقدته في حاضرها. أما في الحقيقة فالخلافة الإسلامية لم تكن مثالية وقد قُتل خلالها الخلفاء أنفسهم. فكل من عثمان وعمر وعلي قُتل".

وعن نموذج الخلافة الذي يقدّمه تنظيم داعش علّقت "أي نظام يقدّمون؟! لا يعرفون إلا الذبح وامتهان الكرامة الإنسانية وبشاعة عرضهم لاستباحتهم النفس البشرية التي مَن يقتلها كأنّما قتل الناس جميعاً. هؤلاء هم حطب جهنّم".

من جانبه، أشار الكاتب الصحافي عزيز القناعي إلى أن "العربي والمسلم يمتعض من غياب الحرية وامتهان كرامته وضعفه في الواقع فيوجّه نظره إلى التاريخ، إلى عصور يظنّ أنها شهدت قيادات استطاعت غزو العالم وفتح الحضارات، فيأخذ أفكاراً من هذا الماضي ويحاول إسقاطها على الحاضر".

لكن برأيه، "هذا التاريخ وهمي وغير حقيقي لأننا نقرأ فقط وجهة نظر المنتصر".

الخوف من العقل

وأضاف القناعي في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) أن العقل يشكّل خطراً على التفكير الديني التقليدي وعلى السلطة السياسية. وقال إن "السلطة الدينية تحارب التفكير العقلاني بكل الوسائل لأنه يضعفها"، منتقداً ما سمّاه "التحالف الشرّير بين الأنظمة والسلطة الدينية وهو تحالف قديم يغيّب العقل".

وبرأيه، "يؤدي التفكير العقلاني إلى عيش الإنسان بحرية وكرامة. والأنظمة العربية تخشى من المواطن الحرّ لأنه سيطالب بتداول السلطة ما يهدّد بقاء الحكام في مناصبهم".

ولهذه الأسباب، والكلام للقناعي، "نُشر الجهل في المجتمعات العربية وأعطيت التيارات الإسلامية سلطة كبيرة وأُشغلت الشعوب بالفتاوى وبالصراعات الطائفية".

ويحمّل المسؤولية عن ذلك للسلطة السياسية بشكل أساسي، لكنّه يلفت إلى أنه في ما بعد، خرج الإرهاب الإسلامي عن سيطرة الأنظمة العربية، "فالسلطة الدينية بعدما تمكّنت صار قسم منها يطالب بأحقيته في السلطة لأن هؤلاء لا يعتبرون أن الدين عبادات بل يرون فيه إدارة وسلطة تمثّل سلطة الله على الأرض".

ويحمّل القناعي النظام التعليمي جزءاً أساسياً من المسؤولية عن هذا المآل لأنه "يطمس عقل الطالب ويسحقه تحت فكرة أن المدرّس أعلم منه ورجل الدين أعلم منه". ومن جهة ثانية "يدرّسه أن عهود الخلافة هي عهود الحضارة فيكبر الطفل ويكبر معه هذا الوهم الذي تغذّيه أيضاً القنوات الدينية".

هل يمكن تنقية التراث؟

بحسب القناعي، "شهدت الخلافة قديماً أبشع صور التعذيب وقمع الفلاسفة وحرق الكتب ونسف المكتبات وقتل المختلفين عقائدياً ومذهبياً وفكرياً. فعهود الخلافة لم تكن عادلة ولم تبنِ الإنسان ولم تحقق المساواة بين البشر وظلمت المرأة. وبالتالي، فإن مشروع الخلافة هو مشروع استبدادي وديكتاتوري وأخطر ما فيه هو أنه ينطق باسم الدين".

وبرأيه، "لا نستطيع أن نفصل بين التراث وبين الواقع. فمَن يفجّرون ويقتلون حالياً باسم الله يتبنّون أعمالهم في بيانات تبدأ بقال الله وقال الرسول"، مضيفاً أنهم يبرّرون كل أفعالهم بأقوال من التراث وبممارسات للسلف.

من هنا فإن إعادة قراءة التراث وتنقيته ضرورية. لكن القناعي يشير إلى أن مَن تصدّروا هذه المهمّة بجدّية كان مصيرهم القتل أو النفي أو التكفير، "فالسلطتان الدينية والسياسية تخافان من هذا المشروع، وكل ما يمكن أن يصدر عنهما في هذا الصدد سيكون ترويجياً. ولذلك، فإن إعادة قراءة التراث الديني تحتاج إلى مبادرة ضخمة من الشعوب نفسها لا من السلطة والمؤسسات الدينية".

الصورة: رسم يمثّل الخليفة/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".