بقلم حسن عبّاس:
يمكن اعتبار أن فنّ الكاريكاتير وسيلةٌ للتعبير عن الرأي بأسلوب جذّاب للمتلقّين، لأنهم يجدون فيه ما يصعب التعبير عنه بمجرّد الكلام. فبمزجه ما بين التعبير عن فكرة من واقع المجتمع وما بين السخرية التي قد تخلق ابتسامة من رحم المأساة، يستطيع تجاوز النص المكتوب.
"هذا ما أبرع فيه"
أنشأ الفنان العراقي أحمد فلاح صفحة خاصة به على فيسبوك لينشر عليها رسوماته الكاريكاتيرية التي لا تعرف المحرّمات السياسية. مَن يتابع ما ينشره سينتبه فوراً إلى أن سهام نقده تطال الجميع داخل العراق وخارجه.
"هذا ما أبرع فيه. أنا رسّام ومن خلفية تشكيلية. الكاريكاتير هو بالنسبة إليّ أفضل طريقة لأوصل صوتي وأعلن عن احتجاجي على ما يجري في العراق"، قال لموقع (إرفع صوتك).
تمتاز رسومات فلاح بعمق الفكرة التي ينطلق منها. وأشار إلى أن "الفكرة عندي دائماً تسبق الرسم. لا أحب الدخول في مسألة تكرار التعبير عن أفكار تداولها شائع. أردت أن أقدّم جديداً. وأحب أن يصفن المتلقي أمام أعمالي ليفكّر فيها".
مع اقتراب ذكرى تدمير داعش للآثار في الموصل، وكمساهمة منه في حملة شبابية بعنوان "حضارتنا باقية وتتمدّد"، قرّر فلاح إبراز ضآلة تنظيم داعش أمام الحضارة العراقية التي تمتدّ آلاف السنوات في عمق الماضي، وذلك من خلال رسم كاريكاتيري.
"في هذا الرسم، قصدت أن الآثار ستقتص من داعش. الحضارة لا تموت أمام هكذا تنظيم وهي باقية وقادرة على الاقتصاص ممَن أساء إليها"، علّق فلاح.
"كلهم في سلّة واحدة"
فلاح يقيم حالياً في إندونيسيا. ترك العراق، عام 2014، بسبب تهديدات تلقّاها على خلفية نشره رسم كاريكاتير على غلاف "مجلة فكر" يمثّل واثق البطاط، قائد ميليشيا جيش المختار.
يعترف أن وجوده خارج العراق منحه فسحة أكبر من حرية التعبير عن رأيه. وقال "لو كنت في العراق لتعرضت للتصفية (القتل) مباشرة".
وعن طريقته في انتقاد الشخصيات السياسية العراقية، أوضح أنه يتابع مواقف كل شخصية ويقرأ عنها ويفكّر في جوانبها المختلفة ليفهمها أكثر "فتتكوّن فكرة الكاريكاتير أوتوماتيكياً".
ويلخّص شعار التظاهرات العراقية المطالبة بالإصلاح "باسم الدين باكونة (سرقونا) الحرامية (اللصوص)"، والذي رسمه فلاح، نظرته إلى الحياة السياسية في بلده. كان من الداعين إلى التظاهر وبرأيه "السياسيون جميعاً في سلّة واحدة ولا أثق بأيّ منهم بعد تجربة فاشلة عمرها 13 سنة".
ورأى أن هذا الشعار المركزي للتظاهرات هو "من أهم الشعارات التي أنتجها الشباب في تحرّكاتهم المدنية. كان شعاراً جريئاً أظهر أن الناس تعبوا ولم يعد من الممكن خداعهم وسرقتهم باسم الدين".
تسفيه التطرّف
وأوضح رسّام الكاريكاتير العراقي ناصر إبراهيم أن "الناس يُقبلون على هذا الفن، لا بل يطلبون ويترقّبون التعليقات الكاريكاتيرية على حدث معيّن".
هو الآخر، أنشأ صفحة على فيسبوك لنشر رسوماته. وقال لموقع (إرفع صوتك) "ما أرسمه لا يعبّر فقط عن رأيي. أنا أعكس الواقع".
وقسّم الكاريكاتير إلى نوعين: واحد ينتقد حالات سلبية بقصد المطالبة بالتغيير وآخر هو "تسفيه لظواهر معيّنة والسخرية منها". فبرأيه "لن أصلح داعش والمتطرّفين دينياً ولكنّي أعمل على تسفيههم وتسفيه معتقداتهم".
كنموذج عن الكاريكاتير "التسفيهي" يمكن النظر إلى الرسم التالي:
وأوضح إبراهيم أن القصد من رسمه السابق هو "تسفيه مَن يدّعون الرجولة من خلال ارتكاب جرائم قتل، وتسفيه معتقداتهم وإظهار أنها مجرّد حجج ذهنية غير مرتبطة بالواقع".
ويطال نقد إبراهيم بعض الأفكار المنتشرة في المجتمع والتي تتقاطع مع أفكار داعش، كما في الرسم التالي:
عن هذا الكاريكاتير قال إنه "ينتقد التطرّف الديني الذي صنع داعش. إذ هنالك متطرّفون يقولون أنهم غير منتمين لداعش ولكنهم في نفس الوقت يمارسون ما يُشبه أفعاله".
نقد غياب الإصلاح
ينتقد إبراهيم في رسوماته غياب الإصلاح، ويرى أن تقاعس الحكومة عن الإصلاح يكمل "الهدف التخريبي" الذي ينشده داعش. "إذا كان داعش يقطع الأعناق، فإن الحكومة تقطع أرزاق العراقيين وتجعلهم يموتون في الحياة"، قال. هذه الفكرة عبّر عنها في الرسم التالي:
كما ينتقد الطائفية المتفشية في المجتمع ويعتقد أنها "تقوّي التطرّف. فلو لم تكن الطائفية منتشرة لما تأسس داعش. وفي المقابل يستمد هذا التنظيم قوّته من الانقسامات الطائفية".
المستقبل ضبابي برأي إبراهيم. بعض الأمور يدعو إلى التشاؤم وبعضها الآخر يدعو إلى التفاؤل. وقد عبّر عن ذلك برسم كاريكاتيري يختلف معناه إذا ما قرأناه من اليمين إلى اليسار عن معناه إذا ما قرأناه من اليسار إلى اليمين.
"الوضع الصعب مستمر"، قال إبراهيم مضيفاً أنه "طالما أن الطائفية منتشرة وداعش موجود والحكومة مقصّرة فإن الأمل بعيد".
الصورة الرئيسية والثانية: عن صفحة أحمد فلاح على فيسبوك.
بقية الصور: عن صفحة ناصر إبراهيم على فيسبوك.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659