بقلم علي عبد الأمير:
يجمع كثيرون على أن معركة العالم مع تنظيم داعش الإرهابي ليست أمنية وحسب، بل هي معركة فكرية وثقافية.
وإذا كان الأمر كذلك، أي الإقرار بأن مواجهة داعش هي فكرية وثقافية إلى جانب العمل الميداني السياسي والأمني، فإن المبادرة الشعبية تضمن فاعلية واسعة، فالمثقفون والمفكرون وصنّاع الرأي العام على صلة أوسع بالناس وهو ما يوفر لهم فرصة تأثير قد تبدو أبلغ من أي عمل حكومي مهما بلغت شفافيته ونواياه.
ويوضح الباحث السعودي كامل الخطي لموقع (إرفع صوتك) أن "محاربة الإرهاب الذي ينحت هويته من الإسلام، والذي تطور من مجرد تنظيمات مسلحة تتخذ من المناطق الخالية والنائية أوكاراً لها، إلى تكوين دولة أمر واقع في مناطق اختل فيها النظام تماماً" تستدعي "حرباً شاملة متعددة المستويات، وتخطت حدود هذه الحرب المجال العسكري والأمني، إلى مجالات الفكر والمال والإعلام، خصوصاً وسائل الإعلام الحديثة التي تعتمد على شبكة الانترنت كوسيلة قادرة على الإفلات من الرقابة".
وحول النسخة الحالية من الهجمات الإرهابية في السعودية والتي تستهدف رجال الأمن والتجمعات السكانية المتكونة من أقليات مذهبية، في إشارة إلى الشيعة، يقول الخطي "تسعى الهجمات الإرهابية من خلال انتقاء أهداف من هذا النوع، إلى تحقيق عدد من المقاصد منها التعدي على هيبة الدولة، وإحراجها وزعزعة الثقة في مؤسستها الأمنية وإثارة النعرات الطائفية لكي تمزق النسيج الوطني. ومن خلال تمزقه، يسعى الإرهاب لاحتلال موطأ قدم يؤسس فيه منطقة توحش ينطلق منها للتوسع وكسب المزيد من الأرض".
وينتقد الخطي غياب "خطاب وطني يفكك ويحلل ظاهرة الإرهاب علمياً"، فيقول "بعد كل عملية إرهابية على أراضي المملكة، نمر بفترة مجلس عزاء في الضحايا الذين سقطوا نتيجة العملية، وتُحَبَّر مئات المقالات وتعلن آلاف المواقف في التقليدي والجديد من وسائل الإعلام، تصب جميعها في مصب التعاطف مع الضحايا، وإظهار الحماسة الوطنية، وشجب واستنكار الجريمة، ثم يتلاشى الزخم دون إسهام في صياغة خطاب وطني يفكك ويحلل ظاهرة الإرهاب علمياً، ودون الإسهام في مراكمة المعرفة المتعلقة بالأرهاب ومكونات فكره وخطابه".
ويرى الباحث العراقي حسام كصاي، الفائز بجائزة الشباب العربي 2015 عن كتابه "إشكالية التطرف الديني في الفكر العربي المعاصر" أن "سوء تقديرات السياسات الداخلية للأنظمة العربية الحاكمة يعتبر متسبباً رئيسياً في تنامي التطرف لعجز تلك السياسات عن احتضان تلك الطاقات الشبابية وتوظيفها في الأعمال والحرف المهنية التي تستبدل مهنة العنف المسلح لديهم، إضافة إلى الجهل في الدين وعدم فهم جوهره، وبروز ثقافة إسلام اللحية والعمامة والمظاهر الشكلية، ثم غياب الوعي الجمعي وانتشار حالة الوعي الزائف والثقافة السوداء المزورة، إضافة إلى أسباب معيشية، ثم بروز ما يسمى الصحوة الإسلامية التي جاءت نقمة على العرب، وجعلت معارك الإسلام ضد الإسلام!".
إعلام الكراهية يجنّد الإرهابيين
وفيما يحمل الخطي على "حفلات العربدة الإعلامية" التي يُشَكِّل فيها خطاب الكراهية عنصراً أساسياً في تدعيم جبهات التطرف، يرى أن "المؤسسات الثقافية والاجتماعية مثل مؤسسات التعليم والترفيه والرياضة والفنون والمؤسسات الدينية، قادرة على تأدية واجبات وأدوار كبيرة حتى يتحقق مبدأ ربط مكونات الهوية الثقافية الوطنية برابط آمن ودائم".
ويوضح الباحث السعودي أن "جبهة الإعلام من أهم وأخطر الميادين التي يخوض فيها الوطن حربه على الإرهاب، خصوصاً أن المنظمات الإرهابية تولي الجبهة الإعلامية إهتماماً بالغاً لإدراكها مدى فاعلية الإعلام في مجال الاتصال بالجمهور"، لافتاً إلى أنّه "في جريمة واحدة على الأقل، لم يُبْذَل جهد بشري مباشر في تجنيد الإرهابي الذي ارتكبها. وإنما ارتكب الإرهابي جريمته تحت تأثير إعلام تنظيم داعش، الذي أعلن الإرهابي بيعته لزعيمه بعد ارتكابه جريمته، وتصويره لها في مقطع ڤيديو بهاتف جوال. وهذه الجريمة إنذار لنا بضرورة دراسة الموقف بما يقتضيه من خطورة، وتحضير ودعم كل من هو قادر على الحد من فعالية هذا الخطاب الدموي عبر التصدي له في وسائل التعبير ونشر الرأي".
مراجعة عقلانية
من جهته يرى الكاتب العراقي حسام كصاي أن "من حزمة الأساليب التي من شأنها أن نواجه بها التطرف الإسلامي والداعشي على وجه الخصوص:
1 - مراجعة عقلانية لمناهج التعليم الحكومي، والديني على وجه الخصوص.
2 - تحرير العقل من الجهل والخرافة.
3 - ضمان شروط التحول الديمقراطي في البيئات العربية.
وبالتالي نحن نسعى من خلال التحول الديمقراطي إلى إلغاء طبقة الثيوقراطية (حكم رجال الدين) وعزلهم عن العمل السياسي من خلال تأكيد "علمانية متصالحة مع الدين"، تحسين شروط عيش الفرد العربي، والتأكيد على الوحدة الوطنية أو الأشمل كبديل لحالة التجزئة والتفكك التي أنتجتها الرّاديكالية الإسلامية، والتأكيد على الحريات الدينية من منطلق الدين لله والوطن للجميع".
الصورة: رجل دين في خطبة جمعة في إحدى المناطق السنية بالعراق/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659