بقلم حسن عبّاس:

يعيش المسلمون في العالم الغربي على إيقاع تنامي الإسلاموفوبيا (رُهاب المسلمين)، وتعود جذور الأزمة إلى جملة عوامل منها ظهور داعش ومنها سلوكيات المسلمين أنفسهم، دون أن ننسى الاستغلال السياسي لهذه الظاهرة.

داعش وصورة المسلمين

يلاحظ الأستاذ في الجامعة الأميركية في واشنطن إدمون غريب أن "المشاعر العدائية تجاه العرب والمسلمين لم تبدأ بعد ظهور داعش، بل بدأت خاصةً بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر التي ولّدت نوعاً من ردة الفعل ضد العرب والمسلمين، حتى أن أشخاصاً قُتلوا فقط بسبب أشكالهم، وكان أول ضحية مصري قبطي".

لكنه أكّد لموقع (إرفع صوتك) أن "هذه المشاعر ازدادت بعد صعود داعش الذي ولّدت ممارساته انطباعاً لدى كثيرين بأن المسلم غير متسامح ويرفض الآخر، خاصة في ظل ما يُرتكب في الشرق الأوسط بحق الأقليات الدينية".

واتّفق الباحث في الشؤون العربية والأوروبية عارف حجّاج مع هذا التشخيص، وأضاف لموقع (إرفع صوتك) أن "داعش وغيره من التنظيمات المتطرّفة شوّهت صورة المسلمين وتتحمل المسؤولية الأساسية عن تنامي التيار الإسلاموفوبي".

وعدّد المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية في ولاية إيلينوي أحمد رحاب أشكالاً من الممارسات الإسلاموفوبية مثل استهداف المساجد بزجاجات حارقة أو بالكتابات المسيئة أو بوضع رؤوس خنازير على أبوابها.

وقال لموقع (إرفع صوتك) إن "هنالك أحداث تحرّش بالمسلمين لمجرد شكلهم وأحياناً يقع غير مسلمين ضحية لذلك، وخاصة المنتمين إلى ديانة السيخ".

وأكّد أيضاً أن "هنالك تأثير قوي وواضح وملموس لصعود داعش على النظرة السلبية تجاه المسلمين إذ صار كثيرون ينظرون إلى الإسلام كشيء متوحّش".

استغلال سياسي

وأشار يحيى الهندي، الأستاذ في جامعة جورج تاون ورئيس جمعية علماء ورجال دين عبر الحدود، إلى "وجود جماعات غربية مستفيدة من هذه الحالة وتسعى إلى زيادة الاحتقان القائم بين الشرق والغرب. كما أن هنالك جماعات يمينية مسيحية لا تتكلّم باسم المسيح والإنجيل اللذين يدعوان إلى حب غير مشروط، وتستخدم كلامهما من أجل بث الحقد ورفض الآخر".

ولفت إلى أن "الإعلام الغربي جزء من المشكلة. فهو يتحدث فقط عن الأحداث التي تؤدي إلى رسم صورة سلبية للمسلمين، ولا يتحدث عن الإيجابيات. كما لا يعطي فسحة للأشخاص المعتدلين".

مسؤوليات المسلمين

يعتبر يحيى الهندي أن "سوء ممارسة المسلمين للإسلام أعطى للآخرين أسباباً للتهجّم على الإسلام ولاتهامهم باتهامات كثيرة. فكثيرون منهم لم يكونوا سفراء جيّدين لدينهم ولم يبرزوه كدين للسلام والرحمة".

وتابع أن "الإسلام صار يُمارَس بقسوة ويدعو إلى رفض الآخر والحروب"، مضيفاً "لو لم يكن المسلمون كذلك ولو لم يرفضوا الممارسات الديموقراطية، ما كان الغرب ليجد ما يعوّل عليه وينطلق منه للتهجّم عليهم".

ولخّص المشهد بقوله إن "بنادق الإسلاموفوبيا رصاصها ملأه المسلمون بجهلهم وممارساتهم السيئة، فالتقت السياسة الرعناء والمصالح الشخصية بسوء ممارسة المسلمين لدينهم".

مسؤوليات الجاليات المسلمة

يلفت الباحث حجاج إلى أن "أغلبية أبناء الجالية المسلمة في ألمانيا تعيش بسلام وتمارس حياتها بشكل عادي. لكن مؤخراً، ظهر تيار سلفي. ففي مدينة بون الألمانية على سبيل المثال، يشهد حيّ باد غودسبيرغ تواجداً استعراضياً لفئات إسلامية تثير حفيظة باقي الألمان".

وأضاف أن "موجات تدفق اللاجئين مؤخراً، ومعظمهم مسلمون، ساهمت في نمو المشاعر المعادية للعرب والمسلمين".

وفي الولايات المتحدة، رأى الهندي أن "المسلمين ليست لديهم ممارسات تبرّر كرههم. لا أقول أنهم مندمجون بشكل كامل، لكنّهم عاشوا غالباً في أحيائهم ومساجدهم وأفرزوا أئمّة لم يحسنوا العلاقة مع غير المسلمين ومع الكنائس والكُنُس".

ونبّه حجاج إلى أن "عدداً كبيراً من المسلمين في الغرب علمانيون ومندمجون في المجتمع ولا يهتمّون بالمشاركة في الجمعيات الإسلامية الناشطة في الغرب. ولذلك هي لا تعكس أوضاعهم وأفكارهم ولا تمثل حتى نسبة 10 في المئة منهم".

ويبدو أن مشاعر العداء للمسلمين غير مرتبطة بسلوكيات الجاليات المسلمة. فقد كشف إدمون غريب أن دراسة ميدانية أجريت قبل فترة خلصت إلى أن معظم المعادين للمسلمين والعرب كوّنوا رأيهم عنهم من الأفلام والأخبار، بينما معظم مَن كوّنوا صورة جيّدة عنهم حصّلوا معلوماتهم من الجامعات ومن معاشرتهم على أرض الواقع.

"أميركا هي مجتمع فيه نوع من ردّة فعل عدائية، لكن هنالك أيضاً انفتاح"، أكّد غريب وأضاف "هنالك أحداث كثيرة تدلّ على الانفتاح، لكن الإعلام لا يهتم بها بقدر ما يهتم بالجوانب السلبية".

وذكّر غريب بتجمع رجال دين مسيحيين ويهود حول مساجد لحماية المصلّين في أكثر من مناسبة، وبتلاوة كنائس في فلوريدا لأجزاء من القرآن نهار الأحد رداً على قيام أحد القساوسة بإحراق نسخة من القرآن، وبتقديم إحدى الكنائس قاعة صلاة للمسلمين بعد أن رفض فندق ذلك.

وعلى الرغم من تأكيده على خطورة مشاعر الكراهية المتبادلة بين بعض الغربيين وبعض المسلمين، رأى غريب أنه "لا يزال من المبكر القول إن هذا سيتجذّر. فالمجتمع الأميركي ديناميكي ومنفتح".

ما العمل؟ "داعش هو ثمرة من ثمرات فكر ديني غير أصيل هو الفكر التكفيري المتطرّف والإقصائي. ولو أردنا أن نحارب الإسلاموفوبيا، يجب أولاً أن يكون للمسلمين خطاب أصيل يدعو إلى المحبة ويقدّر الديموقراطية والتعددية بكل أشكالها"، قال الهندي.

الصورة: من تظاهرة معادية للأجانب/عن موقع Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.