بقلم فلاح المشعل:

يصنف التطرف على أنه وباء اجتماعي تترشح عنه جملة من الإسقاطات السلبية الفتاكة للمجتمع الذي ينتشر فيه، الأمر الذي جعل المختصين بعلم الاجتماع السياسي يصفونه بالخطر الذي يهدد وحدة المجتمع ويترك آثارا ً وخيمة على جوانبه المتعددة.

التجذير الاجتماعي والاقتصادي لظاهرة التطرف يمتد مع تاريخ الظلم والتهميش الذي تعاني منه الشعوب والجماعات العرقية والطائفية. وتكاد القواعد الناشئة للتطرف تتوحد في ظل بيئة تنعدم فيها مبادئ العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان والحريات وتكافؤ الفرص وينتشر فيها الفقر والشعور بالحرمان والاضطهاد بتنويعاته المعنوية والطائفية والعرقية.

يتركز نشاط التطرف غالبا في إعلان موقف عدائي للسلطة أو العدو السياسي الحاكم. ويتمظهر ذلك في أعمال عنيفة وإرهاب بوسائل التهديد والتفجير والقتل بدم بارد. وبهذا فأن التطرف يعبر عن ذاته الثأرية تحت شعارات (نضالية) أو (جهادية) أو(كفاحية) من أجل إيصال رسالته للعدو (كما يصفه المتطرفون)، أو للرأي العام بهدف التحدي وإثبات الذات.

تلجأ الحركات السياسية في بعض منعطفات الصراع السياسي إلى صيغ متطرفة، مثل الكفاح المسلح إلى جانب وسائل سلمية أخرى. لكن ثمة فارق كبير بين النضال الوطني الذي تخوضه الشعوب أو الجماعات، والتطرف الذي تجنح له جماعات متشددة متطرفة في كل شيء...!

الأولى تسعى لتحقيق أهداف وتستثمر نضالاتها عبر وسائل متعددة، ترتاد بها طرق التعبير السلمي والاحتجاج المشروع والمقرون بتضحيات ذات هدف محدد. بينما الجماعات المتطرفة وسائلها انتحارية تخريبية، هدفها تدمير الآخر دونما طرح بدائل عن هذا العنف اللاإنساني وغير الحضاري. وتحضر في هذا السياق تجربة الحرب الأهلية الإسبانية ونتائجها أو أنشطة الجيش الايرلندي السري الذي حقق أهدافه عبر اتفاقية بلفاست 1997. بينما إرهاب تنظيم القاعدة المتطرف و (داعش) تحديدا ً لا يطرح أي هدف يتساوق مع أحلام الشعوب وتطلعاتها، سوى التدمير وإنتاج ما يمكن من جرائم ومآسي وقتل جماعي.

دول الشرق الأوسط، وتحديدا العراق وسورية وليبيا واليمن، أصبحت منتج كبير للتطرف والإرهاب الذي دمر هذه الدول، بل وضعها في مسارب التمزق والتقسيم والتشرذم بعد مشاوير الاقتتال والحروب الطائفية والعرقية والمناطقية. بل صار هذا الإرهاب ينتشر إلى بقاع العالم الأخرى، كما في أوروبا وأميركا وأفريقيا وشرق آسيا. إرهاب بنزعة دينية تكفيرية بشهية مفتوحة للدماء والخراب الشامل.

 جذور هذا التفاعل السريع الذي أنتج اتساعا ًغير مسبوق بنشاط التطرف الإرهابي يعود لجملة عوامل، أهمها هيمنة السلطات الدكتاتورية واستبدادها وأساليبها الوحشية في قمع الحريات ومصادرة حقوق الإنسان ومنع التنوع الفكري والثقافي والطائفي، في ظل انعدام أي شكل من أشكال العدالة وسلطة القانون الذي يحمي المواطن، ما يجعله يبحث عن معادل للقوة عبر السلاح والسلوك العنيف الشرس.

قراءة الظروف الجاذبة للتطرف تشير إلى بلوغ الشعب، وخصوصا قطاعات الشباب، درجة اليأس من الحاضر وفقدان الأمل بالمستقبل، بعد أن رسفوا طويلا ً في مستنقعات التهميش والفقر واللاحياة. كما يعطي التخلف الثقافي والمعرفي والديني نتائج لصالح التطرف. لأن عقلية الضحية المتطرفة قابلة للتضليل وتصديق الوهم والخرافة كي تهرب من واقع تنعدم فيه أيسر شروط الآدمية.

نبذة عن الكاتب: فلاح المشعل، كاتب وصحافي عراقي يقيم في بغداد ويكتب في عدد من الصحف والمواقع العربية والعراقية. شغل عدة مواقع خلال تجربته الصحافية البالغة نحو 30 سنة، ولعل أبرزها رئيس تحرير صحيفة الصباح العراقية، وكان أحد مؤسسيها . عضو نقابة الصحفيين العراقيين ، ومؤسس لمركز الصباح للدراسات والنشر.

لمتابعة الكاتب عبر صفحته في فيسبوك، إضغط هنا

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.