بقلم هاني الفردان:

لم يكن مستغرباً ما قاله المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين، في أن البحرين لا تزال بحاجة لإجراء إصلاحات عميقة من أجل تحقيق مشاركة أكثر شمولية بكثير، وذلك خلال كلمته التي ألقاها الخميس، 10 آذار/مارس 2016، ضمن أعمال الدورة الـ 31 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف.

الحسين قال "رغم التقدم الذي أحرزته البحرين، فإنها مستمرة في إسكات المعارضين السياسيين والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، عن طريق الاعتقالات وسحب الجنسية والترحيل من البلاد".

قضايا حقوق الإنسان في البحرين شائكة ومعقدة. وجلها لم تشهد حلولاً جذرية، بل بعضها تفاقم في السنوات الأخيرة، خصوصاً ما هو متعلق باتهامات التعذيب.

الإحصاءات والأرقام والبيانات الرسمية وحدها التي سنبني عليها تأكيداتنا أن التعذيب لايزال مستمرّاً في البحرين، على رغم نفي وزارة الداخلية والتصريحات التي لا تتوقف من المسؤولين بأن البحرين أصبحت جنّة حقوق الإنسان والبلد الذي لا يضاهيه أي مكان، وأنها خالية من الانتهاكات.

حتى لا نتهم بالمبالغة أو سرد معلومات ليست من مصدرها الرسمي، وإيراد أرقام تنكرها الجهات الرسمية، فإن إثبات وجود التعذيب في البحرين سيكون من خلال حقائق وأرقام لا يمكن تكذيبها. وهي من جهة رسمية (وحدة التحقيق الخاصة) التابعة إلى النيابة العامة التي تنشر مطلع كل شهر تفاصيل شكاوى تتلقاها بشأن التعذيب وإساءة المعاملة واستخدام القوة المفرطة من قبل قوى الأمن.

لغة الأرقام وحدها كفيلة بتبيان تلك الحقيقة، فخلال الفترة ما بين مطلع كانون الثاني/يناير 2014 حتى نهاية شباط/فبراير 2016 فإن وحدة التحقيق الخاصة أعلنت تلقيها 476 شكوى من تعذيب وإساءة معاملة، واستخدام قوة مفرطة من قبل قوى الأمن البحرينية.

تلك الأرقام بينت أنه في العام 2014 تلقت الوحدة 126 شكوى من تعذيب وسوء معاملة. وأن ذلك الرقم تضاعف في العام 2015 ليصل إلى 298 شكوى. فيما شهد الشهران الأوليان من العام 2016 (52 شكوى).

تلك الأرقام تعد كبيرة جدّاً بالنسبة إلى حجم سكان البحرين. البلد الصغير خليجياً وعربياً وحتى عالمياً. وأصبح من غير المبرر الحديث عن أنه "لا تعذيب في السجون". فإحصاءات شكاوى "وحدة التحقيق الخاصة" تؤكد عكس ذلك. فليس منطقياً تزايد وتيرة الشكاوى ونفي وجود تلك الممارسات جملة وتفصيلاً.

ما سردته من إحصاءات وأرقام رسمية، لا تكشف فقط عن استمرار التعذيب في البحرين، بل تكشف وتيرة متزايدة لها. إذ توضح الأرقام أن عدد الشكاوى تزايدت، ففي كانون الأول/ديسمبر 2012 كانت هناك 5 شكاوى، لتبلغ ذروتها في كانون الأول/ديسمبر 2015 بتسجيل 40 شكوى من تعذيب وسوء معاملة، يليه شهر شباط/فبراير 2016 بـ35 شكوى!

التعذيب أو اتهامات بالتعذيب في البحرين مستمرة، والأرقام تتزايد وترتفع، وهي أرقام رسمية ومعتمدة لا يمكن التشكيك فيها.

وزارة الداخلية في البحرين لم تعترف يوماً بالتعذيب، لا قبل تقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة التي ترأسها أبرز فُقهاء القانون الجنائي الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي محمود شريف بسيوني، أو بعده.

فقبل التقرير كانت وزارة الداخلية البحرينية تدّعي أن وفاة أربعة من المواطنين في السجن كانت لأسباب أمراض وراثية ومزمنة أو فوضى. حتى جاء التقرير ليؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الأربعة الذين لقوا مصرعهم في السجن كانت وفياتهم نتاج "تعذيب"، وأضيف لهم الخامس الذي توفي بعد الإفراج عنه بأربعة أيام فقط.

وبعد صدور تقرير تقصي الحقائق، أُحرجت الوزارة، واعترفت بما حدث ولكنها وصفتها بـ"التصرفات الفردية".

ولأن التعذيب مستمر في البحرين، سواء كان ذلك "ممنهجاً" أو تصرفاً "فرديّاً"، سنفهم لماذا رفضت البحرين السماح للمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، خوان مانديز، زيارتها طوال السنوات الخمس الماضية. حتى أبدى الأخير أسفه في كلمته التي ألقاها يوم الثلاثاء، 8 آذار/مارس 2016، خلال أعمال الدورة الـ31 لمجلس حقوق الإنسان التابع إلى الأمم المتحدة في جنيف من "عدم تحقق طلب زيارته للبحرين خلال فترة ولايته".

ظاهرة التعذيب في البحرين لن تنتهي ما لم يتم الاعتراف رسمياً بوجودها وتزايدها، ومن ثم محاسبة من يقوم بها والمسؤولين عنها، ووقف "سياسة الإفلات من العقاب"، والسماح للمراقبين الأمميين بزيارتها وفتح أبواب السجون أمامهم.

ستستمر الانتقادات الدولية لأوضاع حقوق الإنسان في البحرين التي لن تتوقف، ما دامت تلك الانتهاكات مستمرة ولم تتوقف بما فيها التعذيب.

عن الكاتب: هاني الفردان كاتب وصحافي بحريني متخصص في السياسية والاقتصاد ومجالات حقوق الإنسان وناشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كتب للعديد من الصحف منها الوسط البحرينية، وهو مؤسس ورئيس تحرير موقع صوت المنامة.

لمتابعة الفردان على تويتر، إضغط هنا.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.