بقلم علي عبد الأمير:

في ضواحي مدينة الاسكندرية شمال ولاية فيرجينيا، يعيش أميركي مسلم من أصول باكستانية ضمن نهج ثقافي وسلوكي يعتبره ملازماً لإيمانه الديني بل تكثيفاً لإسلامه وهوية له.

فهو يحرص على الخروج كل صباح يوم دراسي إلى ناصية مسكنه وهو في زي بات يعرفه الأصوليون على أنّه "الزي القندهاري"، أي بحسب ما يفرضه المتشددون من عناصر طالبان في مدينة قندهار الأفغانية، ولاحقاً بات "الزي الموحد" لعناصر المجموعات الأصولية في البلدان الإسلامية وخارجها.

كما حرص الرجل على أن تظهر بناته اللواتي ينتظرن باص المدرسة، ضمن ملامح يحرص المتشددون والأصوليون على إلزام بناتهم ونسائهم بها حتى لو كنّ بالكاد تجاوزن السادسة من العمر، وهو العمر الذي كانت عليه واحدة من بنتيه، فالثانية كانت قد بلغت الثامنة.

ظل المشهد يتكرر في صباح كل يوم دراسي ليتغير فجأة، بعد حدث بارز مثله الاعتداء الإرهابي الذي نفذه أميركي مسلم من أصول باكستانية وزوجته المنضمة إليه حديثاً في منطقة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا، وقتل فيه عدداً من الأميركيين الأبرياء وجرح عدداً آخر ممن كانوا يتلقون المساعدة الصحية في مركز عمل فيه المسلم المتأثر، كما ظهر لاحقاً، بفكر زوجته المتطرف وتحريضها الدائم على كراهية غير المسلمين.

الصورة المتغيرة تمثلت بزي ظهر فيه الرجل وكأنّه أقرب الى الأميركي "السبور" في تصرفاته ضمن محيط منزله، فلا ملمح يركز على صورته كمسلم، فقد حلق لحيته الطويلة، مبقياً نتفة منه أسفل ذقنه.

كما غاب الثوب القندهاري ليحل محله زي الرياضة الخفيف الغربي، بينما غاب الحجاب عن رأسي الفتاتين الصغيرتين، لكنّهما كانتا تتحركان بطريقة مذعورة هي ذاتها طريقة الأب الخائف من حركة الشارع ونظرات الناس إليه، وإلى باحة منزله وسيارتيه.

ويبدو أن خوف المسلم الأميركي من ربط ملامحه وسلوكه بالمتطرفين والمتشددين، فضلا ًعن كونه من أصول هي ذاتها التي ينتمي إليها منفذو الاعتداء الإرهابي في كاليفورنيا، دفعاه إلى خيار الخروج من الملامح الثقافية، حتى وإن كانت شكلية، الدالة على إسلامه وفهمه المتشدد لدينه، فغاب الأثاث الذي اعتبره دليلاً على هويته الدينية مخافة أن يتعرض وعائلته لأشكال من المضايقات حتى وإن كانت لفظية.

صحيح أن الرئيس باراك أوباما كان قد دعا مواطنيه إلى عدم الوقوع في فخ ازدراء المسلمين بعد مجزرة سان برناردينو، مشدداً على أن الجماعات المتطرفة والمسلحة ومنها داعش لا تتحدث باسم الإسلام، إلا أنّ هذه الدعوة لم تمنع، كما تقول منظمات خيرية إسلامية في أميركا، من تصاعد ظاهرة "الإسلاموفوبيا" بين الأوساط الشعبية الأميركية، فضلاً عن استخدام تلك الظاهرة ضمن الصراع السياسي الذي يصل أعلى مستوياته مع السباق الانتخابي إلى البيت الأبيض، وهو ما أشاع جواً من القلق والتوجس بين المسلمين الأميركيين وخشيتهم من أن يكونوا هدفاً لعمليات انتقام، لكن مثل هذه المخاوف ظلت في باب التوجس والحذر ولم تندرج ضمن أعمال واسعة من ردات الفعل الغاضبة.

والمهم في درس نزع "الزي القندهاري" من قبل المسلم الأميركي وغياب الحجاب عن ابنتيه أنه دليلٌ على أن الإيمان بالإسلام ليس قائماً على الظاهرة الشكلية حتى وإن كانت دالة على التدين، فهو ظل في قرارة نفسه مؤمناً وملتزماً دينياً، والتغير الشكلي قد يكون لتجنب العواقب. لكنّه أيضاً يعطي الدليل على أن الإيمان ليس شكلياً وهو أبعد من زي قندهاري أو لحية غير مشذبة، وأعظم من حجاب، فهو سلوك سليم وقيم عيش مشتركة وليس هويات دالة على التوحش والإرهاب.

الصورة: مسلمون يرفعون لافتات ضد داعش خلال تظاهرة أمام البيت الأبيض في واشنطن/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".