الجزائر - بقلم أميل عمراوي:
منذ حوالي عامٍ تقريباً، تزوجت السيدة هاجر يخلفهم، 27 عاماً وتنحدر من مدينة قسنطينة شرق الجزائر، جزائرياً مقيماً في فرنسا وانتقلت للعيش هناك.
بعد استقرارها في مدينة ليون، كان لديها انطباع بأن بُعدها عن بلدها لن يكون صعباً.
"شعرتُ بفرح كبير كونها مدينة جميلة، ولم أحس بالغربة كثيراً كوني أسكن بجوار عدد من المغاربة والتونسيين بل وحتى الجزائريين. تأكدت حينها أنه يمكنني أن أندمج بسرعة في هذا الوسط"، قالت لموقع (إرفع صوتك).
لكن هذا الشعور لم يدم طويلاً، وأصبحت تهاب الخروج من البيت كونها محجبة. وتعرضت للمضايقات أكثر من مرة.
"مع معاودة زوجي عمله بعد انقضاء عطلته، أصبحت أخرج وحدي ولم يصادف يوماً وأنا في المترو دون أن أسمع كلمات من هنا وهناك تقول في مجملها (إرهابية.. عودي من حيث أتيت.. لسنا بحاجة لحجابك..)".
الإسلاموفوبيا.. ذودٌ عن الوطن؟
تزايدت خشية العرب في دول أوروبا، فرنسا تحديداً، من تزايد العداء ضد المسلمين إثر الاعتداءات التي ضربت العاصمة باريس في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 ومن قبلها الاعتداء على صحيفة شارلي إيبدو، وهناك شعور عارم بينهم أن تنظيم داعش هو من ينفذ الهجمات وهم من يدفعون الثمن.
إبراهيم يخلفهم، 39 عاماً، وهو زوج السيدة هاجر، يوضح أنّه لم يتعرض لمضايقات مباشرة تتعلق بدينه أو ببلده الأصلي، لكنه يشير إلى أن المشاكل التي واجهته في العمل لا يمكن إلا أن تكون بسبب العنصرية والإسلاموفوبيا.
يقول يخلفهم لموقع (إرفع صوتك) "على الرغم من أنني أحمل الجنسية الفرنسية، إلا أنني لا أحظى بنفس فرص العمل التي تتاح للفرنسيين. ولا يمكن لك أن تحصل على دليل ملموس يبرهن أن الإشكال يتعلق بدينك أو بانتمائك الأصلي، لأن الموضوع قد يترتب عليه متابعات قضائية. فالموظف المكلف بتوجيهك بمكتب العمالة لا ينهرك كونك مسلماً، بل يظل ملفك يراوح مكانه حتى تسأم أنت أو تتوجه إلى عملٍ أقل بكثير من مؤهلاتك العلمية، وهو ما لا يجب أن ترفضه أكثر من ثلاث مرات وإلا يحال ملفك على مكتب عمدة البلدة".
"البعض يعتبر مثل هذه التصرفات من قبيل الوطنية"، يقول يخلفهم الذي يشتكي من البطالة منذ قرابة الستة أشهر وهو الذي ينتظر مولوداً في الأشهر القليلة المقبلة. "لكنك لا تستطيع أن تكون وطنياً بمجرد كرهك للإسلام".
الاستثناء.. الأمل
حلم الهجرة يرافق الكثير من الشباب في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحثاً عن حياةٍ أفضل. وإن كان الإرهاب قد بخّر هذا الحلم أحياناً، فالوجه الآخر للخيبة كان أن بعض الشباب وجد الحال سيئاً في كل أرجاء العالم.
عبد الرؤوف موهاب، 23 عاماً، طالب في السنة الأولى لدراسة الماجستير في إحدى كليات باريس، يروي لموقع (إرفع صوتك) كيف صُدم لأول مرة وهو يتعرض لموقف حرج بعد وصوله بفترة قليلة إلى العاصمة الفرنسية في شهر سبتمبر/أيلول 2015، ويقول "كنت أسمع عن التمييز الذي يشتكي منه المغاربة هنا بفرنسا، لكن لم أكن أتصور أني سأكون ضحية سوء الفهم ونقص الحوار لهذه الدرجة".
ويتابع "في إحدى المرات وأنا عائد من الكلية إلى البيت الذي أؤجره أنا وثلاثة مغاربة وجزائري آخر، التقيت بفتاة مسلمة تتعرض لمضايقات من طرف شباب فرنسيين. كانت ترتدي الخمار لكنها لم تكن تبدو من المتشددات، فحاولت الدفاع عنها لأجد أحدهم يجرني من الخلف وينهال علي بالضرب كما لم يحدث لي طوال حياتي. الفتاة هربت وأنا خرجت من الموقف بصعوبة بعد تدخل سيدة أوروبية ورجل يبدو أنه فرنسي كذلك. لم أنسَ تلك الحادثة حتى اليوم، ومررت بعدها بخوف لازمني لعدة أيام".
"لم يكن الأمر سهلاً لكن الأمل باقٍ طالما أن هناك أناس من الغرب ومنا نحن المسلمون ينتصرون للحوار والتفهم. لم أكن لأكمل الدراسة لولا بصيص الأمل هذا".
الغرب.. التأسلم والإسلام
لكن التجارب تختلف بين المغتربين بحسب ظروف عملهم وأحياناً المحيط الذي يتواجدون فيه، إذ يؤكد عادل دلال، الصحافي في إحدى القنوات الأوروبية المعروفة والتي تعتبر مدينة ليون المقر الرئيسي لها، لموقع (إرفع صوتك) "في الحقيقة، لم يسبق لي أن تعرضت لمضايقات منذ استقراري في فرنسا لا بسبب ديني ولا بسبب أصولي، كما لم يحدث معي هذا لا في الشارع ولا في مكان العمل. ربما لأن من أعمل معهم من جهة، وجيراني من جهة أخرى على قدر كبير من الثقافة والانفتاح، لذا فهم يفرقون جيداً بين الدين كدين يجب احترامه، وبين المتعصبين الذين يتخذون من الدين مطية لتنفيذ مآربهم وتنفيذ اعتداءات إرهابية".
وفي جوابه عن سؤال حول علاقته بالفرنسيين عقب الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية، يقول دلال "حتى مع تنامي الهجمات الإرهابية في أوروبا لم أصادف مشاكل من قبل المحيطين بي. الذهنيات مختلفة وذكاء الأفراد يسهل التعامل بين بَعضنا البعض".
*الصورة: "البعض يعتبر مثل هذه التصرفات من قبيل الوطنية"/Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659