بقلم حمزة اليوسفي:

كلّ مرة أناقش فيها شخصاً أحسبه من أصحاب العقول البراغماتية حول موضوع التطرّف والإرهاب، يقول لي بكلّ ثقة متناهية النظير: التطرّف والغلو عند المسلمين صناعة أميركية ماسونية استخباراتية غربية. ثم يحسب أنّه قد أفحمني وألقمني حجراً وخرج من باب واسع.

وما علم المسكين أنّه يتملّص من المسؤولية ويلصقها بغيره لا أكثر. وهذه هي ثقافة التبرير لدينا. وقد أصبحت حالة شائعة ومزاجاً عاماً، وهي سبب انتكاسة وتخلّف أمّتنا.

برأيي وبحكم تجربتي واحتكاكي ببعض رجال الدين، وملازمتي لبعض الشّباب في تيّار متطرّف معيّن سابقاً، وعلمي بأدبيات القوم، أزعم أنّ التطرف أو الإرهاب هو صناعة إسلامية تراثية محضة.

أتحدث عن الإرهاب الذي يقوم به من ينتسبون إلى الإسلام، ولا أتحدث عن إرهاب بعض الدول والساسة والقادة الغربيين. فلكلّ مقام مقال. والمناسبة شرط كما يقول الفقهاء.

أتحدث عن ذلك الشّاب المسلم المتديّن الذي يقوم بتفجير نفسه أو يضع قنابل يدوية أو شيء من هذا القبيل وسط الأبرياء لكي يرسلهم إلى جهنّم، حسب رأيه، لأنّ دينهم يخالف دينه وطائفتهم تخالف طائفته ومذهبهم يخالف مذهبه، وباعتبارهم كفاراً وجب قتلهم.

وهكذا يقوم الكهنة بغسل عقل هذا الشّاب المسكين الذي كان ضحيّتهم أولاّ وآخراً.

صحيح أنّ هذه التفجيرات تقع على المسلمين وغيرهم، فهم سواء عند المتطرّف أو الإرهابي إن لم يكن المسلمين أشد بحكم اعتبارهم من المرتدين. والمرتد أولى بالقتل من الكافر الأصلي كما في التراث، والتفجير الإجرامي الذي وقع بمدينة لاهور، شرقي باكستان المسلمة، قبل أيام خير شاهد.

لماذا المتطرّف أو الإرهابي صناعة إسلامية تراثية؟ هل اللّوم على الإسلام أم على التراث؟

لا شكّ عندي أنّ الإسلام بريء براءة تامة. وليس عندي شكّ ولا ريب في هذا. ولكن التراث الإسلامي والمنظومة الفقهية القديمة هما المتّهم المباشر في صناعة التطرّف بشكل أساسيّ. وهذا ليس بريء عندي بتاتاً. صحيح أن هناك عوامل أخرى، لكن تبقى نسبية للغاية.

فالسبب المباشر هو التراث الميّت الذي ينبغي أن يُقبر ابتداءً من مشكلات الحديث المنسوب إلى النبيّ زوراً، ومروراً بأحكام التكفير، و قضية الولاء والبراء، و تقسيم الدار إلى دار الإسلام ودار الحرب أو دار الكفر، ومفهوم الايمان نفسه، ومفهوم الشّريعة، والدولة الإسلامية والخلافة، والحكم الإسلامي، وقضايا الجهاد ومفهومه وتقسيمه إلى جهاد الدفع والطّلب.

ووصولاً إلى قضية جوهرية، وهي معاداة غير المسلمين واعتبارهم كفاراً ينبغي قتالهم حتى ينطقوا بالشهادة أو يعطوا الجزية (وهذا خاص بأهل الكتاب). أما غيرهم من غير المسلمين فالسّيف، ولا شيء غير السّيف حتى يخضعوا لسلطان الله في الأرض. وهذا يعتبر من أهمّ الدروس في العقيدة التراثية، والعياذ بالله.

وكلّ هذا وأكثر يصنع لنا شاباً مؤمناً تقياً ورعاً خاضعاً لله ولرسوله في ما يزعم. ولكنّه مشحون بالكراهية والحقد والإرهاب والاندفاع والتطرّف والطائفية، ولا يفقه شيئاً اسمه ثقافة الاختلاف أو ثقافة الحوار. ما يهمّه هو أن يرى النّاس سواسية على مقاسه هو! يفكّر بما يفكّر كهنته الذين علّموه الإرهاب. قابل للانفجار في أيّة لحظة، وفي أيّ مكان، سواء في الأسواق أو المقاهي أو الحانات الليلية، بل وفي الأماكن العامّة عموماً أو المؤسسات، بل المساجد والمعابد والصوامع والكنائس التي تعتبر هدفه الأسمى. دون أن يسأل نفسه وعقله وضميره: هل هذا الفعل يُرضي الله؟

يفجّر فقط لأنّه يتلذذ بالنّصر والعزة، فكهنته لقّنوه أنّ غير المسلمين أعداء (كما في العقيدة التراثية) حتى وإن كانوا أبرياء إلى أن يُخضعهم هو قهراً لمملكة الله، كما يظنها.

عن الكاتب وبقلمه: أخوكم حمزة اليوسفي من المغرب، باحث وإعلامي في أحد الجرائد الإلكترونية المحلّية وسلفي سابقا

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.