بغداد – بقلم ملاك أحمد:
أصدر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في العام 2015 تقريراً ذكر فيه أن تنظيم داعش ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على أساس طائفي تمثلت بجرائم إبادة جماعية وانتهاكات شملت القتل والتعذيب والاغتصاب والعبودية الجنسية والإجبار على تغيير عقيدة أبناء عرقيات وديانات أخرى في العراق.
ممارسات رسخت مفهوم الإسلاموفوبيا
لكن استهداف أبناء الأقليات من المسيحيين والصابئة المندائيين والأيزيديين والكاكائيين وغيرهم في البلاد لم تكن بدايته عندما سيطر تنظيم داعش على المدن العراقية، فهو يعود لخمسينيات القرن الماضي. وقد اتسع حتى يومنا هذا ليشمل التهديد والخطف والقتل وتفجير أماكن عباداتهم وشعائرهم الدينية وحرقها.
يقول الدكتور كريم الخفاجي، وهو خبير في علم النفس الاجتماعي، في حديث لموقع (إرفع صوتك) "في جولة واحدة في أحياء متفرقة من العاصمة بغداد، سنشاهد كيف تم إغلاق الكثير من الأماكن المقدسة للأديان الأخرى، بحجج مختلفة، تارة في أنها ممتلكات عائدة للدولة وتارة لغرض ترميمها وتارة أخرى بسبب تهديد القائمين عليها من قبل جماعات متشددة".
ويشير إلى أنّ "صمت الحكومة وعجزها عن وضع حد لتجاوزات جهات مجهولة باسم الدين الإسلامي والتي كان من بينها تدمير وحرق ما تبقى من معابد لليهود - الكنيس – وكذا الحال مع المكونات المسيحية والصابئة وغيرها، دفع هذه الجماعات بالتمادي أكثر في اعتداءاتها المتكررة عليهم".
هذه الممارسات بنظر الخفاجي أدت إلى جعل تلك الأقليات الدينية أكثر انعزالاً ودفعتهم للهجرة الكبيرة من البلاد نحو الدول الأوروبية، كما ساهمت في ترسيخ مفهوم الإسلاموفوبيا عند الغرب بسبب القصص التي قد يتناولها المهاجرون واللاجئون من الأقليات.
الأحزاب الإسلامية المشاركة بالحكم
"لم يسبق للحكومة العراقية التي أعلنت منذ تشكيلها بعد العام 2003 أن وفرت للأقليات الحماية الكافية"، بحسب وليم وردا، وهو مدير علاقات منظمة حمورابي لحقوق الإنسان.
في حديث لموقع (إرفع صوتك)، يعطي وردا مثالاً على القرارات الحكومية والسياسات "العنصرية" التي تحاول فرض تغيير عقيدة الأديان الاخرى إلى الإسلامية. فضمن القوانين التي أثارت حفيظة الأقليات وجدلاً واسعاُ في العراق، المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية الموحدة الذي أقره مجلس النواب العراقي أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2015. وتنصّ المادة على أنّه "يجوز لغير المسلم تبديل دينه وفقاً للقانون. ويتبع الأولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الإسلامي من الأبوين". وهذا ما اعتبر المعارضون للقانون أنّه يمسّ بحرية المعتقد.
كما لا يستبعد الناشط الحقوقي أنّ تكون للخلفيات السياسية دور رئيسي فيما يحدث ويفسر ذلك بأنّ "الأحزاب الإسلامية المشاركة في الحكم هي السبب وراء تصعيد عمليات استهداف الأقليات الدينية الأخرى في البلاد".
خشية من الإسلاميين
فيما مضى كانت الكنائس في بغداد تزدحم بزوارها من مختلف الديانات الأخرى غير المسيحية وخاصة من المسلمين، وها هي اليوم تتحول إلى أبنية فارغة لا يتواجد فيها غير القس وحارس الكنيسة اللذين باتا يرفضان استقبال غير المسيحيين خوفاً من التصفية البدنية، هذا ما يشير إليه عيسى سامان وهو رجل طاعن في السن ويعمل في إدارة احدى كنائس العاصمة بغداد.
ويضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) "الكثير من أبناء المكون المسيحي تعرضوا لهجمات مروعة منها التهديد بالقتل، الأمر الذي دفعهم للهجرة".
"أدت الهجمات على الكنائس إلى مقتل المئات من المسيحيين، لذا صرنا نخشى زيارة أبناء الأديان الأخرى إلى ما تبقى من كنائسنا".
قتل وسطو باسم الدين الإسلامي
ويروي وعد السيفي، وهو من الصابئة المندائيين ويعمل في صياغة الحلي والمجوهرات الذهبية، كيف تم إجبار أقرانه من أبناء طائفته على الفرار للنجاة بحياتهم، من خلال استهداف محلات صياغة الذهب التابعة لهم على أيدي إسلاميين متشددين.
يقول السيفي في حديث لموقع (إرفع صوتك) "البداية كانت بوضع منشورات في محلاتنا أو منازلنا تطالبنا بتغيير ديننا للإسلام أو القتل".
ويضيف "إنّها جماعات مسلحة خارجة عن القانون تقوم بعمليات قتل وسطو وسرقة محلات الصياغة باسم الدين الإسلامي، لكنّها تخيفنا نعم وقد رسخت الخوف من الإسلام المتشدد".
*الصورة الرئيسية: كنيس عزرا أبو داوود اليهودية في منطقة البتاوين في بغداد/إرفع صوتك
*الصورة الأخرى: كنيسة العذراء مريم في ساحة الميدان في العراق وهي مزار للجميع/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659