بقلم حسن عبّاس:
وكأنّه تحالف سرّي بين الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) وبين التطرّف الإسلامي في الغرب. فالمسلم الذي يشعر أنه غير مرغوب بوجوده، تستيقظ هويته الخاصة بنسختها المتطرّفة. والغربي الذي يرى حوله متطرفين إسلاميين، يبدأ بمعاداة كل المسلمين.
الإسلاموفوبيا خدمة للإرهاب؟
ويرى الداعية الإسلامي المهندس فاضل سليمان أن الإسلاموفوبيا كانت قبل 11 أيلول/سبتمبر تنحصر في الهجوم على المسلمين، "ولكن بعد ذلك ارتدت شكلاً أكثر وقاحة هو الهجوم على الإسلام نفسه".
وتابع الداعية المصري المقيم في لندن، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك)، أن معادي المسلمين "كانوا يقولون إن الإسلام دين جيّد والمسلمون لا يفهمونه بشكل صحيح، وصاروا يقولون إن المسلمين أشخاص جيّدين ولكن الإسلام سيء".
وبرأيه، هذا تطوّر خطير. "الخطورة في ذلك تكمن في أنهم يُضفون شرعيّة على المتطرفين، إذ صار تنظيما القاعدة وداعش هما مَن يعرّف الإسلام. فهذان التنظيمان يدّعيان أنهما ممثلا الإسلام، والإسلاموفوب يرددون نفس الكلام".
الكل مسؤول
هنالك تيارات سياسية تعمل على تغذية مشاعر الإسلاموفوبيا لتحقيق مصالح مختلفة كزيادة شعبية التيارات السياسية اليمينية، بحسب الكاتبة والإعلامية الأميركية الفلسطينية سمر دهمش جرّاح.
وأوضحت جرّاح لموقع (إرفع صوتك) أن هنالك "أنواع من الإسلاموفوبيا"، وتؤكد أن "الأطراف المحرّضة عليها لا تحبّ بعضها أحياناً ولكن حدث التقاء مصالح بينها حول تغذية هذه المشاعر".
وبحسب الخبير الأميركي في الأمن القومي رايان مورو "يضخّم المشكلة واقع اكتشاف أن بعض المسلمين الذين يصفون أنفسهم بـ"المعتدلين" يمتلكون في الحقيقة قناعات متطرّفة... وهذا يخلق لدى الأميركيين قناعة بأن المسلمين المعتدلين عددهم قليل".
وأشار، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) إلى أن "المسلمين وغير المسلمين مسؤولون عن مشاعر معاداة المسلمين".
وبعد دعوته إلى إدانة أيّ تعاطي بطريقة سلبية مع المسلمين، اعتبر أنه "لنواجه مشاعر العداء للمسلمين، علينا أن نواجه نفوذ الإسلاميين والمشاكل التي تنبع من داخل الجاليات المسلمة، إضافة إلى مواجهة الانطباعات السلبية التي تستند إليها المواقف المعادية للمسلمين".
وهذا برأيه يتطلّب "أن يتحمل القادة المسلمون مسؤولياتهم وأن يتم احتضان المسلمين المناهضين للإسلام السياسي ومنحهم منابر لتوضيح مواقفهم".
المثلث المترابط
يؤكد فاضل سليمان على العلاقة بين التطرّف والإسلاموفوبيا، وقال "الآن، يربح مَن يتبنّى الخطاب المجنون. التطرّف يقترب من الحكم في الدول الأوروبية. وفي العالم الإسلامي تزداد شعبية رجل الدين كلما ازدادت آراؤه تشدداً".
ولكنّه أضاف إلى هذه العلاقة بعداً ثالثاً هو الطغيان لتصير مثلثة الأضلاع. وقال إن "الطاغية الذي يسلب الناس حقوقهم لا يمكن أن يعيش بلا إرهاب. وداعش من جانبه ينشط حيث يقتل الطاغية الناس".
ولفت إلى أنه "بعد نجاح الثورتين التونسية والمصرية في إزاحة الطاغيتين بطرق سلمية، مُنح الناس أملاً بإمكانية الوصول إلى أهدافهم سلمياً. وهنا انتهى تنظيم القاعدة. فقد حدثت هجرة من مربّع العنف إلى السلمية، حتى أن بعض زملاء أيمن الظواهري في مصر، وكانوا إرهابيين، أعلنوا نبذهم للعنف".
ولكن في المرحلة التالية التي تراجعت فيها نجاعة التغيير السلمي "حصل إحباط عند الشباب الإسلاميين وحدثت هجرة من السلمية إلى العنف". وبرأيه هذا ما يفسّر تمدّد ظاهرة داعش في تلك الفترة مع أنها موجودة منذ 13 سنة.
وأضاف أن "الإسلاموفوبيا انحسرت كثيراً في العالم الغربي بعد الثورة المصرية، وصار الغربيون ينظرون باحترام أكبر إلى المسلمين والعرب بعد أن كانوا ينظرون إليهم على أنهم حلفاء للطغيان. فقد صحّحت الثورات الراقية مفاهيمهم". ولكن هذه النظرة لم تستمر طويلاً بسبب مسار الأحداث.
مطلوب العدل
وأكّد سليمان أنه "إذا زادت الهوّة بين الشباب الأوروبيين المسلمين وبين الأنظمة والمجتمعات الغربية، سيزداد التطرّف بينهم. فهؤلاء يعانون من مشكلة هوية ولا يعرفون إذا كانوا مسلمين أو أوروبيين. ولم يقل لهم أحد أن لا تعارض بين الأمرين".
وتوجّه إلى المسلم الغربي بالقول "حتى لو كانت دولتك معادية بسياساتها الخارجية للعالم الإسلامي فأنت لك القانون لا السياسة الخارجية. لو اندمجت في المجتمع وانخرطت في الحياة السياسية سيمكنك أن تؤثر على السياسة الخارجية وتخدم بلدك في الشرق أكثر".
وعلّق بأسى "حالياً، لا يزال البعض يسألني هل تجوز المشاركة في الانتخابات؟! السؤال يجب أن يكون: هل يجوز ألا أذهب إلى الانتخابات؟".
ودعا سليمان إلى "اندماج الجاليات المسلمة تماماً في الدول الغربية". وانتقد الفكرة القائلة أن ذلك يقضي على الهوية المسلمة بقوله "أين المشكلة في أن أغيّر ثقافتي إذا عشت في الغرب؟".
واستشهد لدعم فكرته بقول القرآن "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة"، مؤكداً أن النبي كان أيضاً مهاجراً من مكّة إلى المدينة وعندما فتح مكّة لم يعد إليها بل بقي في المدينة، "البلد الذي عاش فيه ودعمه".
ومن الجانب الآخر، أكّد أن "على الأوروبيين أيضاً فهم أن المسلمين سيبقون هنا ولن يرحلوا وبالتالي عليهم تقبّل جيرانهم المسلمين حتى يمكنهم الاندماج".
وللخروج من دائرة الإسلاموفوبيا والتطرّف المغلقة، أكّد سليمان أن "المطلوب هو العدل وهذا لا يحققه إلا قادة ملهِمون يصلون إلى السلطة ويبرزون في تجمّعات الجاليات، قادة يعرفون العدل والإنصاف ويغيّرون الوعي الجماعي للناس".
الصورة: اختزال الهوية ببعدها الديني لا يولّد إلا الصدام/ عن موقع Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659