بقلم حسن عبّاس:
"أربعة من الدول الخمس التي تشهد أعلى معدلات تطرف في العالم هي دول فرنكوفونية".
هذه خلاصة توصّل إليها الباحثان ويليام ماكانتس وكريستوفر ميزيرول واستنتجا منها أن "الثقافة السياسية الفرنسية" تُنتج تطرّفاً إسلامياً أكثر من غيرها من الثقافات.
الفرضية صادمة نوعاً ما. وتوصّل إليها الباحثان أثناء بحثهما عن تفسيرات تساعد على توقّع معدّلات التطرّف في بلد معيّن. واستندا في بحثهما على مؤشرين: عدد الجهاديين الذي صدّرهم كل بلد وعدد الهجمات الإرهابية التي وقعت فيه.
وكانت الخلاصة التي عرضاها، في مقالة بعنوان "الرابط الفرنسي: تفسير التطرّف السنّي حول العالم"، ونشراها في مجلة "فورين أفيرز"، هي إيجاد علاقة بين معدّلات التطرّف وبين ما إذا كانت الدولة فرنكوفونية. فأربع من الدول الخمس التي تشهد أعلى معدلات تطرّف هي فرنكوفونية ومنها بلجيكا وفرنسا وتونس ودولة رابعة لم يسمّيانها.
إنها مسألة ثقافة
ولكن المسألة ليست مسألة لغة بالطبع، بل هي مسألة ثقافة سياسية. فـ"النهج الفرنسي للعلمانية هو أكثر عدوانية من النهج البريطاني"، بحسب الباحثين. وعلى سبيل المثال، كانت فرنسا وبلجيكا الدولتين الأوروبيتين الوحيدتين اللتين حظرتا النقاب في المدارس الرسمية.
واستبعد الأستاذ في قسم علم الاجتماع في جامعة تونس المنصف ونّاس فرضية "الرابط الفرنسي". وقال لموقع (إرفع صوتك) إن "ظاهرة التكفير وبالذات إقبال الشباب على التنظيمات المتشدّدة غير مرتبطة بالعلمانية الفرنسية لأن هذه الثقافة هي في أساسها أفكار تدفع الناس إلى تفكير عقلاني هادئ".
وانتقد الفرضية بإشارته إلى أن "ظاهرة التشدّد والتكفير موجودة في مجتمعات كثيرة. وأكثر بلدان العالم إنتاجاً للتشدّد والتكفير هي السعودية".
ويفضّل ونّاس تفسير الظاهرة الجهادية بردّها إلى أن "التشدّد غير مرتبط بالقيم الدينية فقط، بل أيضاً بموقع الفرد في المجتمع. فإذا شعر بأنه مقصي ومهمّش وغير معترف به يكون فريسة سهلة للتشدّد".
ولإبعاد السجال عن ثنائية إسلام-علمانية، ذكّر ونّاس بالشباب الذين كانوا يلتحقون في النصف الأول من القرن الماضي بالشيوعية والنازية والفاشية، معتبراً أن المسألة هي "انجذاب إلى يوتوبيا وإلى برنامج يعد بالكثير حتى ولو كان غير قابل للتحقق. والجنّة عند الإسلاميين تلعب دور المجتمع المثالي الذي وعدت به الإيديولوجيات المذكورة".
عداء ثقافي لأوروبا
في المقابل، أبدى الخبير التونسي في شؤون الحركات الإسلامية صلاح الدين الجورشي ملاحظة مفادها أنه "في صراعات الإسلاميين مع أميركا للخلاف السياسي الأولوية، ولكن صراعاتهم مع الأوروبيين وخاصةً الفرنسيين تأخذ طابعاً ثقافياً إلى جانب السياسي".
وقال لموقع (إرفع صوتك) إن "هنالك اعتقاداً سائداً في بعض الأوساط الإسلامية بأن العلمانية الفرنسية هي أخطر أنواع العلمانيات باعتبار أنها لا تقوم فقط على الفصل بين الدين والدولة بل تعطي للدولة بعداً إيديولوجياً يضعها في صدام مع الدين".
وعن العلمانية التونسية، وبالأخص الإجراءات التي اتُّخذت في عهد أول رئيس تونسي بعد الاستقلال، الحبيب بورقيبة، ولا تزال قائمة، قال الجورشي إن "بورقيبة استخدم في لحظة من اللحظات في خطابه السياسي أسلوب الصدمات، وكان يتحدث إلى المواطنين ويتخذ إجراءات من منطلق أنه أعلم منهم بمصالحهم وأفهم منهم بالإسلام".
وقد أحدث خطاب بورقيبة مع مجموعة إجراءات اتخذها، وأبرزها منع تعدّد الزوجات، صدمة للوعي الديني الشعبي، واعتبر البعض أنها تتعارض مع الإسلام.
ولفت الجورشي إلى أنه "ليس من السهل أن يأتي رئيس مسلم ويقول إن رمضان ليس لصالح التنمية ويطلب من الناس الإفطار لتحقيق التنمية".
مع الوقت، تصالحت بعض التيارات الإسلامية مع إرث بورقيبة لا بل أنها اكتشفت أن بعض قراراته الإشكالية تجد لها أصلاً، بشكل أو بآخر، في إرث التيارات الإسلامية الإصلاحية التي نشطت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
ولكن أوساطاً إسلامية، وبالأخص تلك السلفية، كانت ولا زالت تعتبر أن إرث بورقيبة كفر.
وشرح الجورشي أنه "من الأوساط السلفية المعادية لإصلاحات بورقيبة والتي تعتبر أنها لا تعيش في مجتمع إسلامي اتخذ البعض خيار مواصلة الدعوة للتغيير من داخل تونس في حين أن بعضاً آخر التحق بحركات سلفية جهادية أصبحت تعتقد أنه لا بد من تغيير النظام بالعنف. كما أن قسماً ثالثاً قرّر مغادرة تونس والمشاركة في الجهاد العالمي واكتساب خبرات ثم العودة إلى تونس لتغيير نظامها بالقوة".
قد تكون النتائج خاطئة
لا يفسّر ماكانتس وميزيرول ظاهرة التطرّف تفسيراً ثقافياً محضاً. أكّدا أن هنالك علاقة قوية بين ارتفاع معدل البطالة بين الشباب وارتفاع معدل التحضر وبين زيادة التطرف.
وقالا "نعتقد أنه عندما تكون هنالك أعداد كبيرة من الشباب العاطلين عن العمل، لا بُدّ أن يميل بعضهم إلى التطرف. وعندما يعيشون في مدن كبيرة، يكون لديهم المزيد من الفرص للتواصل مع الناس وتبنّي القضايا الراديكالية".
وبعد هذا يأتي الربط بالفرنكوفونية. فهذان العاملان عندما يتضافران في مدن تقع في بلدان فرنكوفونية تتبنى النهج الفرنسي الحاد للعلمانية، "فإنَّ الراديكالية السنّية تكون أكثر جاذبية".
في كل الحالات، هذه فرضية و"قد تكون هذه النتائج خاطئة تماماً، ولكنها على الأقل تستند إلى أفضل البيانات المتاحة"، بحسب الباحثين.
الصورة: من الذكرى السنوية الأولى للاعتداء على صحيفة شارلي إيبدو/عن موقع Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659