بقلم د. مصطفى النجار:
بينما كان الملثمون المنتمون لتنظيم (ولاية سيناء)، الفرع المصري لتنظيم داعش، يقفزون فوق الحواجز التدريبية وسط الصحراء في استعراضهم العسكري الذى بث من خلال مقطع فيديو مصور تم نشره على صفحات الإنترنت قبل عدة أيام بعنوان "إعداد الأباة لدحر الطغاة " ويتفاخرون فيه بتصفية 18مجندا وضابطا من رجال الشرطة في عملية (كمين الصفا) الإرهابية ، كان الطفل المصري عبد الله محمد بخيت الذى يبلغ من العمر 15 سنة والطالب بالصف الأول الثانوي يجلس معتقلا بين عتاة المجرمين الجنائيين بقسم الشرطة بعد مرور أكثر من عام على اعتقاله واحتجازه في هذا المكان الرهيب.
لم يكن الطفل الصغير يتخيل أن هذا الكابوس ينتظره. في بدايات شهر آذار/مارس 2015، ذهب الطفل إلى درسه الخصوصي كعادته. وأثناء عودته لبيته بشرق مدينة (الإسكندرية)، انشقت الأرض عن عدد من رجال الشرطة الذين كانوا في حملة مسائية بحثا عن تجار ومتعاطي المخدرات.
تم القبض عليه عشوائيا من الشارع في تمام الساعة الثامنة مساءً. وتم اقتياده لقسم الشرطة مشتبها به. وقام الضابط المسؤول بالتحقيق معه وتفتيش جهاز الهاتف المحمول الخاص بالطفل. فوجد أن الطفل قد قام بعمل شير (share) لعدد من الأخبار التي لم ترق للضابط. فصرخ في وجه الطفل: أنت إرهابي ولازم تقولي أسماء الإرهابيين اللي ساكنين في منطقتك عشان أمشيك من هنا!
أقسم الطفل أنه لا يعرف أحدا سوى زملاءه من التلاميذ في المدرسة، وقال للضابط: حضرتك عايزني أتهم ناس بريئة ملهاش ذنب؟ طيب ربنا يعمل فيا إيه؟ صرخ فيمن حوله: خدوه ربوه لغاية ما يعترف ولو ما اتكلمش هنعمل له محضر، مش هيطلع منه أبدا!
بعد حفلة تعذيب وضرب وتكميم للعينين ومحاولات للإجبار على الاعتراف بتهم وهمية، تم عمل محضر للطفل عبد الله احتوى الاتهامات التالية: الاعتداء على قوات الجيش والشرطة – وقف تسيير القطارات – إعاقة مرور السيارات – الاعتداء على المارة واستعراض القوة – حيازة أسلحة – الانضمام لجماعة محظورة – التخطيط لضرب الاقتصاد – التآمر لإفساد المؤتمر الاقتصادي .. الخ.
طفل عمره 15 سنة يوقف تسيير القطارات! ويخطط لضرب الاقتصاد وإفشال المؤتمر الاقتصادي. ويتم حبس الطفل حبس احتياطي ويتم التجديد له تسع مرات قبل أن يتم إحالته لمحكمة الجنايات في القضية رقم 19230 لسنة 2015منتزة ثان. ويظل الطفل معتقلا بلا محاكمة لمدة تسعة أشهر ليجلس بين القتلة وتجار المخدرات واللصوص الذين يوسعونه ضربا ويحاولون التحرش به. ولا تملك أمه سوى دفع أموال لهؤلاء البلطجية للتوقف عن إيذاء طفلها الذى كانوا يرغمونه على النوم داخل الحمام القذر لأنه لا يجد مكانا في زنزانة الحبس التي يقطنها حوالى 100 شخص في مساحة ضيقة لا تزيد عن 2 ×3 متر فقط!
ويتحمل الطفل الصغير كل هذه المعاناة بحثا عن العدالة التي تصدر حكما عليه في ديسمبر 2015 بالسجن ثلاث سنوات وغرامة 100 ألف جنيه، رغم أن قضيته لا تحتوي أحراز تدينه ولا شهود ضده وإنما محضر تحريات ملفق جعل من الطفل إرهابيا متمرسا يرتكب كل هذه الجرائم في نفس الوقت!
تقدمت أسرته بطلب لنقض الحكم ومازالوا في انتظار تحديد جلسة قد يستغرق تحديدها عاما آخر ليكمل الطفل عامين من الاعتقال بلا جرم ارتكبه! تخيل أن أسرته قد أصابها الفرح الشديد عندما تم نقله هذا الشهر لدار أحداث بدل من الاحتجاز بقسم الشرطة الذى ذاق فيه ويلات العذاب.
الطفل عبد الله بخيت متفوق في دراسته ويشهد معلموه بحسن خلقه وينتظرون له مستقبلا باهرا كطبيب أو مهندس كما يتمنى. لكن الكابوس الذى مازالت فصوله تتوالى على الطفل قد تغير مسار حياته بالكامل وتجعل منه إرهابيا حقيقيا ناقما على كل شيء بسبب ما لاقى من ظلم واضطهاد وعذاب.
هذا مشروع إرهابي جديد نقدمه للعالم. لا يجب علينا أن نتعجب ونحن نرى المئات والآلاف من الإرهابيين يتدربون في معسكرات الإرهاب ويستعدون لقتل الأبرياء، فقد أعطيناهم المبرر وخلقنا بداخلهم رغبات الثأر والانتقام.
الظلم يصنع الإرهاب. والإحباط يخلق الثأر. والضغط يولد الانفجار. لن ننجح في محاربة الإرهاب ونحن نغذي صفوفه كل يوم بمزيد من الأنصار الساخطين والمقهورين لينفجروا في وجوهنا. نحن إذا صمتنا عن القمع سنتحول لداعمين للإرهاب ومنتجين له!
لا نريد أن نرى هذا الطفل إرهابيا يفجر نفسه فينا. فلنقاوم الإرهاب بمنع ذرائعه وتحجيم مسبباته. تجفيف منابع الإرهاب يبدأ برفع المظالم وإقامة دولة القانون ونشر الوعي الصحيح بالدين.
هل نتعلم من أخطاء الماضي؟ أم نكمل مسار دعم الإرهاب؟ فلنختر المستقبل الذى نريد...
عن الكاتب: الدكتور مصطفى النجار، طبيب أسنان ومدون مصري ونائب برلماني سابق. يكتب النجار للعديد من المواقع والجرائد اليومية، كموقع (المصري اليوم). نشط في التدوين والكتابة عن قضايا حقوق الإنسان. وفاز بجائزة أحد أفضل خمسة مدونين عرب في مجال حقوق الإنسان عام 2009. وكرّمه مركز معلومات حقوق الإنسان ببيروت.