متابعة علي عبد الأمير:

مع إقرار مسؤولين ومفكرين وصناع رأي عام بأن الإرهاب ظاهرة قديمة، وأن مختلف البلدان في جميع أنحاء العالم قد استوعبت الأخطار التي بات يمثلها عبر التعامل معها بطرق مختلفة، يستحق النظر في كيفية معالجة المشكلة الحالية المتمثلة بالإرهاب سؤالاً من نوع ما هو الجديد حقاً في هذا الشأن والذي يمكن أن يشير إلى الاستجابات في المستقبل، وما الفشل السابق وكيف يمكن أن يدرس للمضي قدماً؟

هذا ما يتوقف عنده بحث كاثي غيلسنان المنشور في موقع The Atlantic والذي يقدم قراءات تمهيدية لكيفية تفاقم مشكلة الإرهاب وازديادها سوءاً في جميع أنحاء العالم.

ويتطرق البحث إلى عدد ضحايا تلك المشكلة المؤرقة اليوم للكثير من المجتمعات، وكيفية ظهورها كوسيلة للقهر من قبل تنظيمات سياسية وأيديولوجية للوصول إلى السلطة، وصولاً الى آخر أشكالها: تنظيم داعش، وكيفية مواجهته محلياً ودولياً؟

وتوضح الباحثة أن داعش مجموعة إرهابية استخدمت التكتيك الأساسي الذي عمل عليه عدد من المنظمات على مر التاريخ، فقد استخدم أنصار الشيوعي "ماو تسي تونغ" الإرهاب في المراحل الأولى من الحرب الأهلية الصينية قبل الإطاحة بحكومة "تشيانغ كاي شيك" في العام 1949.

وتواصل كاثي غيلسنان فكرتها، موضحة أن داعش "ليست الأولى في فرض الحكم القاسي والوحشي على الشعب. ففي إطار برنامجها، اعتمدت حركة طالبان في أفغانستان نفس الممارسات، بما في ذلك قطع الرؤوس وعمليات الإعدام العلنية".

حماية الغرب من "الإرهاب الشرق أوسطي"؟

ومع النية المعلنة عند داعش لمواصلة مهاجمة الغرب، فإن الكاتبة تواجه السؤال "إذا كنا نريد حماية الغرب من الهجمات الإرهابية، فهل نحن بحاجة للتصدي للإرهاب عبر جذوره في الشرق الأوسط؟"، بسؤال مقابل "هل يمثل الشرق الأوسط نفسه حقاً، جذر الإرهاب الذي يؤرق الغرب؟"، لتوضح أن الإرهاب ليس ابتكاراً في الشرق الأوسط، لكن هذا لا يعني عدم وجود الإرهابيين في منطقة الشرق الأوسط. فالعراقيون والسوريون العاديون هم ضحاياه بالدرجة الأساس.

وتشير، كاثي غيلسنان، إلى أن "العنف الإرهابي لا يزال قائماً ويتخذ أشكالاً عدة حول العالم. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، فإن "الإرهابيين غير الجهاديين" قتلوا من الناس أكثر من "الإرهابيين الجهاديين" في السنوات التي تلت هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، وقد أحصت مؤسسة "أميركا الجديدة" الوفيات الناجمة عن الإرهاب في الولايات المتحدة خلال 15 عاماً تقريباً (الفترة التي أعقبت تلك الهجمات)، فوجدت أنها تمثل ما مجموعه 93 شخصاً، 45 منهم سقطوا بالعنف الجهادي، فيما سقط 48 في هجمات تصنف على أنها "هجمات من اليمين المتطرف"، مثل إطلاق النار على المصلين في كنيسة بتشارلستون/ولاية كارولاينا الجنوبية في العام 2015. كما أن إحدى أسوأ الهجمات على الأراضي الأوروبية في السنوات الأخيرة، وقبل هجمات باريس العام الماضي، سجلت في العام 2011، عندما قتل النرويجي بريفيك 77 شخصاً، بينهم العديد من الأطفال، ضد ما اعتبره سيطرة الماركسيين والإسلاميين على أوروبا".

وتلفت غيلسنان إلى أن "مرتكبي الجرائم التي تتعلق بالإرهاب الجهادي، كانوا بغالبيتهم من المواطنين الأميركيين. كما ونفذت تفجيرات لندن عام 2005 من قبل مواطنين بريطانيين. وكان منفذو هجمات باريس معظمهم من المواطنين الفرنسيين والبلجيكيين. وبالتالي فإن مقترحات تقييد الهجرة كحل للإرهاب، على سبيل المثال، ليست فعالة طالما أن التهديد لا يأتي من مناطق الهجرة أو اللجوء".

قتل البغدادي هل يمثل حلاً؟

وفيما إذا كان قتل زعيم داعش أبو بكر البغدادي وحاشيته، سيؤدي إلى إنهيار تنظيم داعش بأكمله؟ تعتقد الباحثة أن "البغدادي، في غاية الأهمية كزعيم روحي للمنظمة وكقائد يصف نفسه كـ"أمير للمؤمنين"، لكن ليس من الواضح مدى إسهامه الفعلي في إدارة المجموعة. فقد ذكرت تقارير في العام الماضي أنه أصبح عاجزاً إثر إصابته في غارة جوية، لكن مجموعته ظلت قادرة على تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض، دون أن تحتاج البغدادي نفسه من أجل شن هجمات".

لكن غيلسنان تستدرك بالإشارة إلى ما يحدث عند إزالة زعيم منظمة متشددة، فقد ساعد ذلك التكتيك في تسريع نهاية الجماعات الإرهابية مثل "أوم شينريكيو" اليابانية و"الدرب المضيء" في بيرو.

داعش لا ينتشر عبر الإنترنت فقط!

لقد قيل الكثير عن قدرة داعش على تجنيد متطرفين جدد عبر الإنترنت، لكن التقرير يوضح أن "داعش يناشد الجماهير في مجموعة متنوعة من الطرق، منها التأكيد على اليوتوبيا (المدينة الفاضلة) الإسلامية المفترضة، كما أن ما نعرفه عن منفذي هجمات باريس وبروكسل يظهر أهمية العلاقات الشخصية للتجنيد، فليس من قبيل الصدفة أن الكثير منهم جاء من نفس الأحياء في بروكسل أو المتصلة بعضها بالبعض".

الصورة: الشرطة الأميركية في مدينة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".