بقلم إلسي مِلكونيان:
تتميز الدنمارك عن سواها من الدول الأوروبية بفوزها بلقب "الدولة الأكثر سعادة في العالم" مرات عدة في "تقرير السعادة العالمي" الصادر عن شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة. ويعني هذا أن مواطني هذه الدولة الاسكندنافية، البالغ عدد سكانها حوالي خمسة ملايين نسمة، يتمتعون بمستوى معيشي جيد واقتصاد متين، وضمان اجتماعي، أي بالمختصر: حياة مرفهة.
إلا أن ما ورد في تصريحات رئيسة وزارء الدنمارك هيلا ثورنينغ شميت المتعلقة بالإرهاب، قلب هذا المشهد رأساً على عقب. إذ قالت إن بلادها تحتل المرتبة الثانية بعد بلجيكا من حيث عدد المواطنين الذين انضموا إلى القتال في صفوف داعش. ويبقى السؤال: ما الذي يدفع بعض الدنماركيين إلى الانخراط في صفوف الإرهاب وما الذي يمكن فعله للقضاء على هذه الظاهرة؟
هل تمتلك الدنمارك تاريخاً مع الإرهاب؟
لم تشهد الدنمارك أحداثاً إرهابية أليمة تذكر على إراضيها في فترة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001 لتمهد استقبال الأفكار المتطرفة أو الإرهابية. لكنها تعرضت إلى نوع من الحرب الباردة مع العالم الإسلامي على أعقاب نشر صحيفة "يولاند بوستن" الدنماركية لرسوم كاريكاتيرية عن النبي محمد في 2005.
عايش الشاعر والروائي العراقي حميد العقابي، المقيم في الدنمارك منذ 30 عاماً، هذه الأحداث. ويوضح في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أن موضوع رسوم الكاريكاتير لم تفهم بشكل صحيح لأنها لم تنشر بقصد الإساءة إلى الإسلام.
يقول العقابي "نُشرت الرسوم بدعم من حملة انتخابية لحزب يميني يسعى إلى السلطة، لم يملك أداة ليؤثر فيها على الحكم سوى مسألة اللاجئين (ليكسب بها أصواتاً). وكان هذا ضد سياسة الحزب الديمقراطي الحاكم آنذاك، وهكذا بدأت المشكلة".
اعتبر العالم الإسلامي آنذاك أن الرسوم مسيئة إلى الإسلام، وولّد نشرها في إحدى أهم الصحف الوطنية الكثير من النقمة في قلوب المسلمين، وبالتالي أوجد شرخاً بين المجتمع الدنماركي والأقليات التي تعيش فيه.
وكان الدنمارك قد وفر ملاذاً آمناً للكثيرين ممن تعرضت بلدانهم لأوضاع سياسية واقتصادية صعبة كالعراق ولبنان والصومال وإيران وباكستان والبوسنة وأفغانستان. وعلى الرغم من اندماج أغلبية هؤلاء الوافدين بالمجتمع، إلا أن بعضهم ما زال يشعر بالعزلة بسبب تأثير أهله وبقي ملتزماً بأفكارهم، حسب العقابي.
في المقابل، بعد قصة الرسوم تغيرت أشياء عديدة: بدأت الدولة تتغاضى عن حركات إسلامية باتت تظهر داخل البلاد وتسمح لطقوس دينية لم يكن مرحب بها من قبل أن تمارس، إضافة إلى تغيير في الشارع. يضيف العقابي "قد يكون هذا مهّد الطريق لدخول التيارات الداعشية، فأصبحنا نرى شباب بلحى في الشارع".
مشكلة الأيديولوجيا
يعتقد البعض أن الفقر هو أحد العوامل التي تدفع بالناس إلى الانضمام للمنظمات الإرهابية، لكن تقريراً على مجلة التايم يفيد بأن الانضمام لداعش والجماعات المتطرفة الأخرى لا ينبثق بالضرورة عن المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي المتدني للفرد.
لكن يبدو أن ما يدفع الدنماركيين للانضمام إلى مجموعات إرهابية لا علاقة له بالحالة الاجتماعية. ويقدم المحلل السياسي مصطفى الطوسة من باريس صورة أوضح عن هذا الأمر في حديث لموقع (إرفع صوتك) بقوله إن "الدول الاسكندنافية كالدنمارك لم تعش تجربة "الغيتو" الاجتماعي والديني والإقصاءات الجماعية التي تعيشها بعض بلدان أوروبا الجنوبية. لذلك وجد فيها مخزون رهيب من المتطوعين للانخراط في الشبكات الإرهابية. ربما التساؤل هنا هو حول الأساليب التي تستعملها هذه الجماعات الإرهابية للدخول إلى عقول هؤلاء الشباب وإقناعهم واستقطابهم إلى أجندتها الإرهابية. إن ذلك يجري ميدانياً كما يجري عبر شبكات التواصل الاجتماعية التي حولت العالم إلى قرية صغيرة".
ويرى الطوسة أن الجماعات الارهابية استثمرت كثيراً في بلدان شمال أوروبا لاعتقادها أن هناك فراغاً أمنياً وعدم معرفة أجهزة أمن هذه البلدان بالاستقطاب الإرهابي بالمقارنة مع دول أوروبا الجنوبية كفرنسا وإسبانيا التي اكتسبت تجربة في ميدان مكافحة الإرهاب.
ويرى الطوسة أن الحل يتمثل في محورين: "الأول هو القضاء على البنية التحتية لهذه المجموعات الإرهابية والذي أضحى ضرورة ملحة وفي متناول المجوعة الدولية إن اتفق أقطابها على ذلك. والثاني هو محاولة صياغة وتشجيع خطاب ديني يطفئ لهيب الاستقطاب الذي يتعرض له هؤلاء الشباب ويقنعهم أن الدين لا علاقة له بالعنف والاٍرهاب. هذه هي معركة الحرب الأيديولوجية على مكونات الخطاب الإرهابي".
الصورة: فازت الدنمارك بلقب "الدولة الأكثر سعادة في العالم" مرات عدة في "تقرير السعادة العالمي"/ Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659