بغداد – بقلم ملاك أحمد:
"نحن بحاجة إلى تنفيذ ما يسمى (بتجفيف منابع الإرهاب) عبر معالجة القضايا الاجتماعية. يجب أن نستهدف القضاء على الفقر والتسرب المدرسي الذي أخذ بالاتساع بشكل كبير، والقضاء على الطائفية التي تمهد لولادة أجيال تنتهج فكر داعش"، يقول الخبير الاجتماعي ومدير قسم الشؤون الفنية في دائرة إصلاح الأحداث ببغداد، ولي الخفاجي، في حديث لموقع (إرفع صوتك).
تجنيد الأطفال
يتساءل الباحث الذي ينهمك الآن في إعداد دراسة عن شريحة الأحداث ما بعد ظهور تنظيم داعش "كيف نضع استراتيجية للقضاء على الإرهاب قبل أن نتخلص من منابعه؟ التنظيم اليوم يقوم بـ"غسل أدمغة" هذه الشريحة من المجتمع العراقي بشكل مخيف".
ويحذّر الخفاجي من أنّ عدم وضع خطة عمل ترعاها الحكومة العراقية لمواجهة التحديات المتزايدة في تفريخ الإرهاب سيكون له آثاره السلبية على الأجيال القادمة، مشدّداً على أنّ "محاربة الإرهاب في الجانب العسكري وحده ليس كافياً".
الخفاجي يؤكد أنّ داعش يجنّد الأطفال ويدربهم في معسكرات ومراكز خاصة، ويستهدف عناصره خاصّةً الطفل الذي كان يعاني من مشكلة مع العائلة أو الأصدقاء أو المدرسة ويغرونه بتحقيق أمنياته أو بتعويضه بالمال.
وتركز هذه التنظيمات بنظر الخفاجي على هذه الأعمار "كونّها لا تفكر وانفعالية ومندفعة أكثر من الكبار بالعمر، فضلاً عن أنّها لا تثير الانتباه مثل بقية الناس، إذ أنّ السلطة الأمنية الموجودة في البلاد لا تنتبه للطفل، لذلك يتم تنفيذ الجرائم من خلالهم بسهولة ويسر".
ظروفهم الاجتماعية وأوضاعهم المادية
رصد الخفاجي أثناء عمله في الإصلاحية الكثير من الذين انضموا لتنظيم داعش، بينهم حالات يضطر خلالها أحداث لا تتجاوز أعمارهم 12 سنة إلى الانضمام لهذا التنظيم فقط لأنّهم لا يجدون المأوى أو ظروفهم الاجتماعية وأوضاعهم المادية صعبة، على حد قوله.
ويروي الباحث لموقع (إرفع صوتك) "سمعت على لسان قاصر متهم بالإرهاب أنّ سبب انتمائه لتنظيم داعش هو التشرد والحرمان، إذ قال لي (ما عندي مكان.. أهلي طردوني من البيت وعاطل عن العمل). هذا الحدث تم استغلاله من قبل داعش بسبب وضعه الاجتماعي وصغر سنه بينما هو لا يؤمن بأفكار التنظيم، وإنما الظروف أجبرته. يجب حماية الأحداث من داعش".
تجفيف منابع الإرهاب
يتغير القاصر المتهم بالإرهاب بعد دخوله للإصلاحية بشكل جذري، لكن ليس إلى الأبد، كما يقول الخفاجي. "فما يحدث له من تغيير ذاتي من خلال البرامج المقدمة داخل السجن عبر الواعظين من الوقفين الشيعي والسني والأبحاث الاجتماعية والنفسية والدروس والورش التثقيفية وغيرها تتلاشى بعد خروجه من الإصلاحية، وتحل محلها أفكار الإرهاب ذاتها، والتي أحياناً تكون أكثر عنفاً لأنه يجد نفسه في نفس البيئة الاجتماعية والظروف الصعبة التي دفعته للإرهاب".
ويعد تغيير البيئة الاجتماعية أحد الأسباب المجففة لمنابع الإرهاب وفق قانون رعاية الأحداث في العراق بمادته الأخيرة التي تقول "على قسم الرعاية اللاحقة أن يغير بيئة الحدث إذا وجد أّن البيئة هي السبب في ارتكابه للجريمة". وهذا هو دور الدولة المتمثل بالقاضي الذي يفرض على الأهل تغيير أماكنهم، وفي حال عدم قدرتهم لا يُسمح بإطلاق سراح الحدث وتسلب الوصاية عليه من أهله.
ويلخص الخفاجي هذا الكلام بأنّ البيئة التي تكون حاضنة للإرهاب هي التشرد بالدرجة الأولى والتفكك الأسري والفقر ونوعية الخدمات المتوفرة، إذ يضطر الإنسان للبحث عن مأوى قد يكون عصابة أو أصدقاء سوء أو إرهاب اذا كانت المناطق قريبة من التي تتواجد فيها التنظيمات الإرهابية.
التأثير الفكري للتنظيمات الإرهابية
ولا يبدو الوضع أفضل حالاً في المدن التي ينحسر فيها وجود داعش، إذ تعرض وسائل الإعلام والإنترنت مشاهد العنف والإرهاب بأشكاله كافة "وإلى جانب كل هذا، تصعب السيطرة على هذه الأعمار، فحتى الكبار ممن يتابعون هذه المشاهد يتغير سلوكهم فما بالك بالأطفال في بلد لا ينظر بعين الاهتمام لهذه الشريحة من المجتمع"، يقول الخفاجي.
وهذا قد يعني أيضاً أنّ التأثير الفكري للتنظيمات الإرهابية ليس فقط على الذين ينضمون إليها فقط، بل على الأطفال البعيدين عن قبضته أيضاً، كما يقول الباحث.
مناطق تفريخ الجرائم الإرهابية
ويشير الخفاجي إلى أنّ "تجربة الإرهاب على العراق تكاد تكون جديدة، وخاصة في القضايا الاجتماعية، وهذا ما جعل الكثير من المختصين يتخبطون في قضية المعالجات.
ويضيف "المعالجات كانت في السابق تتمحور حول القضايا الإجرامية الاعتيادية، لكن قضية أنّ يفجر الإنسان نفسه جديدة على الشخصية العراقية وكذلك على الحكومة العراقية، لأن عملها يعتمد بالأساس على الفكر النظري أكثر مما هو على المسألة العملية، فضلاً عن اتساع رقعة ما يطلق عليه بعلم الاجتماع (مناطق تفريخ الجرائم) باعتبارها مناطق مشجعة للإرهاب".
لكن أهم ما يجب الاعتراف به، بحسب الباحث، هو أنّ الحكومة عاجزة عن تنفيذ أي استراتيجية عمل بهذا الشأن، بسبب الصراعات السياسية على المكاسب داخل البرلمان. ويقول الخفاجي "في بعض الأحيان يعطل مشروع إصلاحي بالكامل لأن الوزير الفلاني لديه موقف ما ضد وزير لكتلة غير كتلته السياسية".
*الصورة: البيئة التي تكون حاضنة للإرهاب هي التشرد بالدرجة الأولى/Shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659