الجزائر – بقلم أميل عمراوي:

يجمع المنتقدون للمقررات التدريسية التي تعدها وزارة التربية الجزائرية أنها تمهّد لإنتاج جيل من المتطرفين باسم المعتقد والدين، وهذا ما ينفيه آخرون ممّن شاركوا في إصلاح هذه المناهج ووضع مقرراتها.

ولعل الجزائر من أوائل البلدان العربية التي عانت ويلات الإرهاب سنوات التسعينيات من القرن الماضي وهو ما جعلها تبحث مبكراً عن الأسباب الفكرية وراء تصاعد المد التكفيري بدءاً بالبحث في مناهج التدريس التي توارثها أبناؤها تلقيناً جيلاً بعد جيل.

التربية الإسلامية

يدرّس الدين الإسلامي من خلال مادة "التربية الإسلامية" في التعليم الابتدائي والمتوسط، ومن خلال مادة  "العلوم الإسلامية" في الثانوي، فضلاً عن الأحداث التاريخية التي يدرسها الطالب في مادة التاريخ.

و تلازم مادة التربية الدينية التلميذ الجزائري في كل مساره الدراسي على مدى ساعة ونصف أسبوعياً في الابتدائي، ساعة واحدة في التعليم المتوسط وما بين الساعة والساعتين في الثانوي حسب التخصصات، بحسب بحث نشرته مجلة إنسانيات، وهي مجلة جزائرية في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع.

ويخلص البحث إلى أن "مضمون الخطاب الديني، الذي تتضمنه الكتب المدرسية للعلوم الإسلامية، لا يخلو من عناصر تعبوية تجييشية تقوم على منطق تبجيلي، انتقائي ومرتبك أحياناً، بما يؤدي إلى كثير من الضبابية في دلالات ومضامين الهوية الدينية التي تستهدف المدرسة العمومية تنشئة الأجيال عليها".

وفي ما يلي مثلاً عينة من مفردات تدرّس في كتاب التاريخ للسنة الثانية متوسط.

في حديثه لموقع (إرفع صوتك) يؤكد  الدكتور نجاح مبارك الأستاذ الجامعي والمدير السابق  لمركز دراسات العلوم الاجتماعية بـ وهران (غرب الجزائر) أن سياسة مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تؤتي أكلها إذا لم ترافق بخطة محكمة للتصدي الفكري لهذه الظاهرة وهذا يمر حتماً -حسبه- عبر إصلاح جذري للمناهج التربوية وتأطير محكمٍ للمنابر.

مناهج التنشئة.. الطّابع المتحجّر

في سياق حديثه عن مكامن الضعف في المنظومة التربوية بالجزائر، يلفت الدكتور مبارك إلى أن القطاع يعاني ضعف المناهج خصوصاً المواد الأساسية كمادتي التربية الاجتماعية والتربية الدينية أو كما يسميها (مواد التنشئة)، حيث يقول "المنظومة التربوية عندنا في الجزائر تعاني وتكمن معاناتها في المناهج التي يتلقاها التلاميذ بل حتى طلاب الجامعة، لأنها ليست بالتي تحضر التلميذ لمواجهة التحديات المصيرية التي قد تواجهه. كما يغلب عليها الطابع التقليدي المتحجر الذي يعيق العقل .. لقد تجاوزها الزمن".

عكس ما سلف، يرى الأستاذ خالد أحمد، الأمين العام للجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ، أنه بخلاف الرأي السائد عند عموم الباحثين في مصادر الفكر الجهادي بالجزائر، لا يمكن أن تكون المناهج التربوية بالجزائر وراء انتشار التطرف والإرهاب وهو المختص في المسألة والمشارك في عديد خطط إصلاح المنظومة التربوية بالجزائر منذ عهد الرئيس الراحل هواري بومدين.

في حديثه لموقع (إرفع صوتك)، نفى الأستاذ خالد أحمد أن تكون مناهج التدريس بالجزائر هي المسؤولة عن انتشار الفكر المتطرف. وقال "كنت مقرراً في إحدى لجان إصلاح المنظومة التربوية منذ أمرية 1976 (أمر إصلاح النظام التعليمي في الجزائر عام 1976) كما شاركت كذلك في خطة إصلاحات الوزير بن بوزيد سنة 2003 (بن بوزيد هو وزير التربية بالجزائر من سنة 1994 إلى غاية 2012 ) وكنا قدمنا اقتراحاتنا بخصوص هذا الموضوع ويبدو لي أن الجميع عمل على إبعاد المدرسة الجزائرية عن التطرف والسياسة بشكلٍ عام".

قطاع التربية

ويضيف الأستاذ خالد أحمد مؤكداً "هناك أطراف تقول إن إدخال مادة التربية الإسلامية في المناهج التربوية هو ما أنتج متطرفين ونحن ننفي أن يكون الأمر كذلك، رغم كوننا ضد التطرف. الشعب الجزائري ألِف المذهب المالكي والقواعد الدينية الصحيحة المبنية على التسامح.. لا داعي للخوف من المنهاج الدراسي".

وفي رده عن سؤال لموقع (إرفع صوتك) عن الأسباب الحقيقية وراء التطرف الديني بالجزائر طالما أنه يرد الاتهامات الموجهة لقطاع التربية، اجتهد الأستاذ خالد أحمد في تعداد الأسباب العديدة والخارج عن نطاق المنظومة التربوية ، حيث يرى أن "وسائل الإعلام الخارجية هي التي تطرح بعض الأفكار الدخيلة على المذهب المالكي المتبع بالجزائر والمعروف بالاعتدال والوسطية إضافة إلى العوز والفقر المدقع الذي تعيشه بعض المناطق بالجزائر".

2016 الجيل الثاني من المناهج.. القطيعة؟  

وتعكف الحكومة الجزائرية على إحداث تعديلات على مناهج الدراسة عبر إدخال مناهج جديدة مع الدخول المدرسي المقبل.

لكن وزيرة التربية الجزائرية  نورية بن غبريت أكدت في 23 مارس/آذار المنصرم أن تطبيق مناهج الجيل الثاني يندرج في إطار "المراجعة العادية" للبرامج  التعليمية السابقة فحسب.

وفي تصريحها، أكدت المسؤولة الأولى عن قطاع التربية في الجزائر أن الجيل الثاني للمناهج يندرج في إطار "المراجعة العادية" للبرامج. وأضافت أن عمل هذه اللجنة "صعب ومعقد"، مما تطلب 13 سنة لتحيين البرامج التربوية و"ليس التغيير الجذري لها"، مشيرة إلى أن المعايير الدولية تتطلب في هذا الشأن "ما بين ثلاث وخمس سنوات".

*الصورة:  "المنظومة التربوية عندنا في الجزائر تعاني"/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".