بقلم علي عبد الأمير:

شكّل الظهور القوي والصادم لتنظيم داعش دليلاً على حجم المخاطر التي تهدّد السلم والأمن في المنطقة والعالم. وهو ما استدعى تحالفاً دولياً وتضافراً للجهود في سبيل تحجيمه والقضاء عليه كغاية لا بد منها.

وعلى الرغم من الكلفة الباهظة التي ألحقتها العمليات الإرهابية في مناطق كثيرة بشرياً ومادياً، إلا أن التبعة الأكثر قسوة تتمثل بما بات الإرهاب يشكله من حضور في الذهن يطابق صورة الإسلام لدى شعوب عديدة، لا سيما في المجتمعات الغربية. وبالتالي فإن إحدى أهم نتائجه السيئة هي تشويه صورة الإسلام وسمعته في عالم اليوم، وما يشكله ذلك من انعكاسات وتحديات جسيمة على واقع التعايش والسلم العالمي.

ومثل هذه الفكرة التحذيرية من آثار الإرهاب على موقع العرب والمسلمين في العالم، عادة ما تشغل مواقع التواصل الإجتماعي، وتحث على ضرورة انطلاق دعوات إلى موقف شعبي عربي ومسلم ضد الإرهاب الذي "يستخدم الدين قناعاً".

وهو ما يلفت إليه الباحث والأكاديمي العراقي د. كاظم حبيب في مقال يقول فيه إن "على كل إنسان شريف، وخاصة من كان مؤمناً بالإسلام كدين، أن يدين بحزم ويشجب تلك الممارسات العدوانية التي تمارسها قوى القاعدة وداعش في دول الاتحاد الأوروبي أو في غيرها".

واتصالاً مع هذا المعنى، يقول ماهر المنصور في تغريدة له "عندما يُقال أن العرب والمسلمين اليوم غارقون في التخلّف، يجب أن لا يغضب ولا يستغرب أحد. ألقي نظره على ما أنتجهُ الإرهاب والتطرّف والثّورات".

https://twitter.com/mahr199/status/706473313325944832 "صورة شيطانية" وينظر الكاتب العراقي إبراهيم الغالبي إلى الشروخ العميقة التي سببها الإرهاب لصورة العرب والمسلمين في العالم على أنّها "إحدى القضايا الصعبة والمعقدة إذا ما استمر الإسلام بالنزف من خاصرته وإهدار قيمه الإنسانية - من منظور أن كل دين يحمل بالضرورة قيماً إنسانية وأخلاقية - عبر سلوكيات وأعمال بربرية". ويضيف "إذا ما أردنا تلمس الضرر الذي ألحقه وسيلحقه الإرهاب بموقع المسلمين والعرب بشكل خاص في العالم، فسنجد أن تلك التكلفة ذات وجوه متعددة، ومنها أن لكل فعل رد فعل ما يعني أن تطرف الإرهاب "الإسلامي" سيعزز من قوة صعود اليمين المتطرف في الغرب، وستكون لمثل هذا الصعود آثار قاسية على العرب والمسلمين الذين تترسخ صورتهم الشيطانية يوماً بعد يوم". ويثير الغالبي في مداخلته التي خصّ بها موقع (إرفع صوتك) قضية الضربات المؤثرة التي وجهها الإرهاب للتحول الديمقراطي في دول عربية وإسلامية، بقوله إن صورة يختلط فيها الإرهاب بالعرب والمسلمين "أسهمت فعلياً في تراجع الدعم الحقيقي للديمقراطية في البلاد العربية مخافة صعود التيارات المتطرفة بأقنعتها السياسية إلى السلطة" ويشير الغالبي إلى أن الوضع السوري خير مثال على ذلك، "فمن الواضح أن ظهور الإرهاب عرقل مساعي دعم التحول السياسي عبر الإرادة الشعبية في هذا البلد. ولعل من تبعات تفشي الإرهاب هو استشراء الصراع الطائفي داخل بلداننا، الأمر الذي يضعف من مكانة وتأثير الدول العربية والإسلامية في عالمنا المعاصر. ومع هذه التبعات لا شك، سيتحول العالم الإسلامي إلى كيان معزول غير جدير بالاحترام، ولا يستدعي الاهتمام أبعد من تحقيق الغرب لمصالح اقتصادية معينة، كصورة تبدو شبيهة نوعاً ما بما كانت عليه في القرن السادس عشر إبان القتال الدموي بين الصفويين والعثمانيين، واكتفاء أوروبا برعاية مصالحها الاقتصادية". مزيد من القتامة؟ وإذ يؤكد واكد عبد القادر، في تغريدة له ، أنّ "العرب والمسلمون صورتهم تزداد قتامة جراء الارهاب والهمجية وبخاصة الجاليات العربية والإسلامية في بلاد الغرب"، فإن الكاتب الغالبي يقرّ بأنّ "الفرز بين صورة الإسلام والإرهاب غربياً مسألة تزداد صعوبة بمرور الوقت، مع استمرار الأعمال الإرهابية التي تجاوزت حدود مناطق المواجهة المألوفة، حتى أصبحت تضرب في قلب أوروبا. وهو ما يستدعي تكثيفاً للجهود على المستوى الرسمي وإيجاد الحلول السياسية الناجعة للأوضاع غير المستقرة لبعض الدول ذات الطابع التعددي كالعراق، فضلاً عن أهمية الفعاليات الأخرى الإعلامية وجهود المنظمات المدنية والمرجعيات الدينية المعتدلة لمواجهة وتطويق الفكر المتشدد، وتفنيد قراءته المتطرفة للدين". https://twitter.com/ouakedabdelkade/status/712727592613314561

الصورة القلقة للإسلام حالياً... ستنتهي

كما هناك الكثير من المواقف الفكرية التي لا تبدو متفائلة حيال الآثار السيئة للإرهاب على مكانة العرب والمسلمين في العالم، كما في تغريدة الشاعر والكاتب الأردني أمجد ناصر يقول فيها "العرب والمسلمون الذين يدعون محاربة الإرهاب في الخارج هم بالضبط الذين ينتجونه في الداخل".

https://twitter.com/AmjadNasser/status/712243574213980160

 إلا أن الغالبي يختم مداخلته مع موقع (إرفع صوتك) بالقول "شخصياً، أنا متفائل بكون التطرف بلا مستقبل، لأن القراءة المتأنية للأديان تحيل إلى ضرورة تكامل قيمها مع القيم التي تفرزها التجربة الإنسانية بعد مراحل متعرجة من الصعود والهبوط، بل أزعم أنها ضرورة حتمية، وأن الصورة القلقة للإسلام حالياً ستنتهي إلى صورة أكثر ثباتاً منسجمة مع القيم الإنسانية وأخلاقياتها، ذلك أن للإسلام ثوابتَ وأحكاما يمكن التعويل عليها في هذا المجال".

 *الصورة: مسلمات في أوروبا/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".