بقلم إلسي مِلكونيان:

"في الحقيقة، لم يكن مقاتلو الدولة الإسلامية في العراق في وضع الهجوم منذ أشهر... لقد خسروا مساحات من الأرض تصل إلى أكثر من 40 بالمئة من الأراضي التي سيطروا عليها يوماً في العراق"، بهذه الكلمات وبنبرة متفائلة صرح وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مؤتمر صحافي أثناء زيارته الأخيرة للعراق على أن قوات التحالف ماضية في دحر داعش وتقديم المساندة للحكومة للقضاء عليها.

وإذ يحاول العراق النهوض بأعبائه السياسية والاقتصادية، يتوجب أيضاً التفكير بالقطاع الزراعي والمشاكل التي يعاني منها بسبب داعش أي منذ عام 2014، لا سيما أن الزراعة مصدر رزق أساسي لسكان المناطق الريفية والذين يشكلون حوالي 30 في المئة من مجموع سكان العراق.

 واقع المياه والأراضي الزراعية

تشير دراسات إلى أن وفرة الموارد الطبيعية تجعل من العراق بلداً زراعياً قادراً على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الكثير من المحاصيل. لكن وجود داعش هدّد الأمن الغذائي في هذا البلد.

وأبرز هذه المشكلات هي نقص اليد العاملة. ففي المناطق الساخنة ازدادت هجرة الفلاحين لأراضيهم، ونزحوا إلى المدن بحثاً عن الأمان. كما تدهورت زراعة وإنتاج معظم المحاصيل كالحمضيات والقمح والشعير.

ويقول مستشار اللجنة الزراعية في مجلس النواب العراقي، عادل المختار، في حديث لموقع (إرفع صوتك)  إن "المناطق المحتلة من داعش تضررت بالكامل وأبرزها الأنبار والرمادي صلاح الدين والموصل جنوب كركوك (الحويجة) وحتى في ديالى، الزراعة تدهورت تدهوراً كبيراً".

يضيف المختار أن انخفاض إنتاجية الدنم والمردود الاقتصادي للأرض الزراعية يعرض المنتج المحلي للمنافسة بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وانخفاض سعر المنتج المستورد. إضافة إلى ذلك يمثل تدني نوعية المياه وكميتها تحدياً إضافياً لأزمة الموارد المائية التي تواجه أصلاً شحاً بسبب السدود التي بنيت على نهري دجلة والفرات من دول الجوار كتركيا وسورية.

وعن تأثير داعش، يشرح عون ذياب، خبير المياه والمستشار السابق لوزارة الموارد المائية، أن سيطرة داعش على بعض المناطق أثرت على مياه الشرب والزراعة على حد سواء، قائلاً "سيطرة داعش على الفلوجة وعلى سد الفلوجة (على نهر الفرات) أثّرت على تأمين المياه لأفضل المشاريع الزراعية والتي تحيط بغداد كمشروع أبو غريب والرضوانية واليوسفية ومشروع المحمودية والاسكندرية واللطيفية. وهذه الأراضي تبلغ مساحتها حوالي 800,000 دونم".

ويضيف ذياب في حديثه لموقع (إرفع صوتك) أن معارك داعش في الموصل أثرت على زراعة الحنطة والشعير وديالى حيث دمرت بساتين النخيل والحمضيات. كما أثرت العمليات العسكرية أيضاً على الأراضي المستصلحة التي احتوت على شبكات ري متكاملة وكانت مصدر أساسي لتأمين محاصيل زراعية وخضار وفواكه.

 طرح حلول واستراتيجيات جديدة

من خلال خبرتهم في العمل الزراعي يشترك المختار وذياب في طرح حلول علمية وعملية بحيث يمكن للدولة تطبيقها. وتتمثل هذه الحلول بتغيير المنهجية المتبعة من قبل وزارة الزراعة كأن تولي اهتماماً بالثروة السمكية، فتعتمد على تربية الأسماك في الأنهر والمسطحات وتلغيها في البحيرات. النهج الثاني هو اعتماد الزراعة المحمية والاستفادة من قدرتها على النمو في بيئات جافة وتكيفها مع شح المياه.

ويرى أن على الدولة مسؤوليات كثيرة من حيث تحسين إدارة المياه وتطبيق طرق حديثة وفاعلة لتحسين الإنتاج بحيث تزيد من إنتاجية الدونم. ففي الوقت الحالي إنتاجية الدونم التي تبلغ مساحته 2500 م2 لا تتجاوز نصف الطن من الحبوب بينما وصلت إلى طنين في دول أخرى.

لكن يرى الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطون أن هناك مشكلة في توظيف الكفاءات العراقية في القطاع الزراعي. ويقول "توجد كفاءات، لكنها غير قادرة على إدارة الملف الزراعي بسبب محاصصة طائفية بحيث يبقى الخبراء بعيدين عن الحياة العملية. صحيح أن الحكومة قامت ببعض المبادرات، لكن من غير المعقول أن يستورد العراق أكثر من نصف حاجاته بشتى أنواع المحاصيل".

*الصورة: عراقيون يجمعون محصول البطاطا في اليوسفية، جنوب بغداد/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".