الجزائر – بقلم أميل عمراوي:
"لن أنسى منظر أختي ليلى، وكأنك فتحت حنفيتين تسيلان بغزارة على مستوى جانبي رأسها، وهي مربوطة اليدين إلى الوراء وكل جسمها يرتعش. حتى اليوم لا أستوعب كيف يمكن لجسم الإنسان أن يحتوي كمية الدماء تلك؟".
الحديث لفاطمة الزهرة خضار التي تحدثت لموقع (إرفع صوتك) عن الفاجعة التي ألمت بعائلتها خلال سنوات الإرهاب التي ضربت الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، مؤكدة أن "أمثلة مآسي ضحايا الإرهاب بالجزائر لا تعد ولا تحصى.. كل واحدة أبشع من الأخرى".
السيدة خضار وعلى غرار جميع الجزائريين لا تستطيع استيعاب ما جرى خلال العشرية السوداء وتتساءل "لا أدري كيف استطعت أن أعيش كل هذه السنين بعد هذه المأساة وهذا المنظر المرعب لأعز الناس لي!".
اليوم المشؤوم
تروي السيدة خضار، وهي عضوة مؤسسة لجمعية ضحايا الإرهاب بالجزائر، تفاصيل اقتحام الإرهابيين منزل العائلة في 24 حزيران/يونيو من عام 1996، قائلة "لقد كان يوماً مأساوياً بحق، يومَ قُتل أخي وأختي من طرف مجموعة إرهابية اقتحمت منزلنا لقتل كل العائلة، لكنّهم فروا بعدما هربت أختي لطلب النجدة من الحاجز الأمني الذي نصب بالقرب من مسكننا".
"لا أنسى أبداً منظر جثمان أخي محمد رضا وهو ملقى وسط الحمام وكل لباسه أحمر، حتى حذاؤه الرياضي الأبيض، بل الحمام كله أصبح أحمر قاتماً بلون الدماء. حتى السقف تلطخ بدماء أخي، فقد ضربوه بفأس على رقبته، وقطع عنق رقبته من الجهتين، اليمنى واليسرى. والدماء التي كانت على الأرض تجمدت وأصبحت بساطاً أحمر".
كما أصرّت المتحدثة، كونها على اتصال دائم بعدة ضحايا من الأمهات والأبناء الذين فقدوا أقرباءهم إثر العمليات الإرهابية، أن تعدد لنا أمثلة عن أمهات فقدن فلذات أكبادهن بسبب العمليات الإرهابية.
وتقول "كثيرات هن من عايشن نفس مأساتي. أذكر لك خالتي عائشة من سيدي موسى التي اختطف أربعة من أبنائها الواحد تلو الآخر بفارق زمني يتراوح من أربعة أيام إلى سنة. وعُثر على جثة اثنين منهما، في حين لم يظهر أي خبر عن ابنيها الآخرين إلى يومنا هذا.
وتتساءل خضار "كيف تكون حالة أمٍّ تفجع بمأساة الابن الثاني والثالث والرابع قبل أن تفيق من فاجعة الأول؟"، لتعيد التأكيد "أمثلة مآسي ضحايا الإرهاب لا تعد ولا تحصى، كل واحدة أبشع من الأخرى ... مخلّفات المآسي الهمجية التي اقترفت من طرف الإرهاب في الجزائر والتي لا يمكن للعقل البشري أن يتقبلها أو يتصورها، لا يمكن أن تمحوها السنون مهما طالت".
وضع نفسي متدهور وحالة اجتماعية في تدني مستمر
في حديثها لموقع (إرفع صوتك)، تؤكد أخصائية نفسية أن جميع من تعرض أو شاهد مناظر القتل إبان تلك الحقبة ما زال يعاني من مشاكل نفسية عميقة، عمق الجرح الذي لن يندمل ما دامت هناك أحداث مشابهة لتلك التي عايشوها في الجزائر على يد الإرهاب الأعمى.
"لغاية الآن ما زالوا يدفعون ضريبة القلق والخوف وفقدان الثقة من جراء العنف الذي تعرضوا له، من دون أن ننسى تدهور المستوى الدراسي عند الأطفال، والذي ساهم كثيراً في تدني مستوى معيشتهم بشكل كبير نتيجة ترك مقاعد الدراسة خوفاُ من الموت. وكثير ممن يعانون الأمراض المزمنة اليوم هم ممن عايشوا تلك السنين" تؤكد مينة جديان المختصة في الطب النفسي.
وفي حديثه لموقع (إرفع صوتك)، يلفت محمد كرار الصحافي المختص في الشؤون الأمنية بالجزائر، إلى أن العدد الكبير من ضحايا الإرهاب هم من المناطق الخارجة عن المدن، لأن أغلبهم من قاطني الأرياف والمناطق المعزولة.
"خلال سنوات التسعينيات، نزح معظم سكان تجمعات المناطق النائية وأعالي الجبال هروباً من المجازر الإرهابية التي تعرض لها بعض أفراد عائلاتهم أو خوفاً من التعرض لها، بل حتى مصالح الأمن كانت ترحلهم تفادياً للعمليات الإرهابية أو لتسهيل عمليات التمشيط. وبذلك فقدوا منازلهم وممتلكاتهم ومصادر رزقهم، ذلك لأن معظمهم من الفلاحين والموالين الذين يقتاتون من تربية الحيوانات وما تجود به أرضهم التي أصبحت اليوم بور".
وفي هذا الصدد، تؤكد السيدة خضار عن جمعية ضحايا الإرهاب بالجزائر "لا يمكن أن نغفل عن أن الكثيرين ممن فقدوا منازلهم لم يستفيدوا من برامج إعادة الإسكان الاجتماعية، وهو ما زاد من تعقيد وضعهم اليوم. ولعل الوضع الاجتماعي المزري انعكس سلباً على وضعهم المادي، حيث أن عسر الحال أجبرهم على الاستغناء عن كثير من متطلبات الحياة اليومية".
*الصورة: السيدة فاطمة الزهرة خضار/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659