هلسنكي، فنلندا – بقلم صالح قشطة:
رغم تواجدهم في أوروبا، إحدى نقاط اللجوء الأصعب والأبعد عن وطنهم سورية، إلا أنه لا يزال هناك من الشباب السوري من يطمح لأن يكونوا سفراء للأمل والتغيير، بإيمانهم المطلق بالدور الملقى على عاتق كل منهم، وهو الدور الذي تشكل حسب ما فرضت عليهم ظروف اللجوء من أنماط مختلفة من الحياة بعيداً عن بيوتهم.
يعمل هؤلاء على خلق منابرهم الخاصة حيث يتواجدون، موظفين قدراتهم وإمكانياتهم وتخصصاتهم ومواقعهم المختلفة في كافة بقاع الأرض لخدمة قضيتهم، وتحقيق مطالبهم المؤدية إلى سورية المثالية التي لا يجدون لها مكاناً سوى في أحلامهم، سعياً لقلب هذا الحلم واقعاً يعيشونه يوماً ما.
النسيج الاجتماعي السوري
حول تبعات الأزمة السورية، وما أحدثت من تغيير في المشهد السوري، يقول يحيى فارس، مدير مركز موارد للتنمية الإعلامية والتطوير، المقيم في هولندا لموقع (إرفع صوتك) إن أكثر ما تأثر بالحرب في سورية هو النسيج الاجتماعي السوري، والذي هو بطبيعته نسيج متنوع غني اجتماعياً ومتعدد. "خلال الخمس سنوات الأخيرة حصل شرخ في هذا النسيج".
ويضيف فارس "ما نشهده هو نتيجة لتراكمات عديدة خلال عقود من القمع بكافة أشكاله، ولا أعني هنا القمع الأمني فقط، فهناك قمع ثقافي وقمع فني وعدة أشكال من القمع".
ورغم صعوبة ما تمر به سورية، إلّا أنه يرى فيما حصل تحريراً للعديد من ملامح حياة المواطن السوري التي كانت مقيدة بأطرٍ ديكتاتورية، يصفه فارس بالأثر الإيجابي الذي يقود إلى سورية أفضل مستقبلاً، موضحاً "لو لم تحصل هذه الأزمة لاستمرت القوالب السابقة، لبقي طالب الجامعة ضمن قالبه غير المنصف، وكذلك العسكري أيضاً، ولبقي موظف الدولة باحثاً عن عملٍ آخر بعد عمله، ولبقي المحتكر محتكراً. كان هناك تشابه بين الشخصيات الموجودة في المجتمع بشكل يخلق الموت، والاختلاف الذي حاول الشباب إبرازه خلق الحياة!".
إصرار وتفاؤل
أما رولا أسد، المديرة التنفيذية لشبكة الصحفيات السوريات في هولندا، فلا ترى في الأزمة سوى مصدراً للإصرار والتفاؤل بتغيير نحو الأفضل، رغم تكلفته التي تصفها بالباهظة، مؤكدةً "لو أردت أن أتحدث عن نفسي بشكل شخصي، فأنا مصدومة من كل ما حصل، وكيف انقلب الحراك السلمي الذي كنت أنا جزءاً منه ليصبح صراعاً. لكني أصبحت أملك ثقة أكبر بنفسي، وبأن ما خرجت من أجله قبل خمس سنوات هو شيء حقيقي. أصبحت أكثر إصراراً".
وتشير أسد في حديثها إلى موقع (إرفع صوتك) إلى انعكاس كل ما تمر به بلادها على حياتها وروتينها اليومي، قائلة "أستيقظ كل صباح وأذكّر نفسي بأني سوريّة وأنه لدي الكثير لأقوم به، من أجل نفسي ومن أجل حضارتي ومن أجل بلدي".
وتضيف "المستوى الشخصي والعام أصبح مرتبطاً بشكل كبير بالنسبة لنا. ومن الصعب أن أعطي وصفاً شخصياُ، لأني أصبحت جزءاً مرتبطاً بشكل كبير بالسياق العام".
ملامح البلاد
وبالنسبة للشاب إياد كلاس، المقيم في فرنسا، والذي يعمل في راديو سوريالي، فقد أعادت الأزمة في بلاده تعريف ملامح وقيم الحياة السورية من جديد في عدة محاور.
يقول كلاس في حديثه لموقع (إرفع صوتك) "أزمتنا خلقت خليطاً مميزاً من الألم والأمل في نفس الوقت. وبصراحة، ما شهدناه في بداية عام 2011 من حراك شبابي عربي، الذي بدأ برفع صوته، متحدثاً عما يجول في باله، معبراً عن نفسه ومحاولاً تغيير ما حوله من سلبيات، كان مريحاً وباعثاً للأمل بشكل كبير. وفي نفس الوقت عندما رأينا كيف تم التعامل مع الموضوع، وما حصل من تدخل وقمع، والتطرف الذي ظهر لدى بعض الشباب، كل هذا حول المسار باتجاه الألم".
ويتابع الشاب "رغم المزيج الذي ذكرته، لا زلنا متأملين بأن تتجه الأمور نحو شيء إيجابي".
ويذهب كلاس إلى بعد آخر من واقع حياته وحياة العديد من السوريين، يرى ضرورة الالتفات إليه بشكل موازٍ لكل ما تحمل الثورة من أهداف نحو التغيير "عملياً كشاب كنت أعيش في المجتمع السوري فقد كانت الحياة جيدة لي كشخص مستهلك. كنت أعيش بشكل جيد، لدي دخل جيد يمكنني على الاستمرار في الحياة، لكن بنفس الوقت هذا ليس تعريف الإنسان، هو ليس مستهلكاً فقط، هو أبعد من ذلك بكثير".
ويوضح على ضوء تجربته الخاصة "على مستوى العمل فقد كان بالنسبة لي وسيلة لكي يكسب الشخص حياته، ويكسب المال ليعيش، وبعد الأزمة فقد أصبح الوضع في سورية يتطلب جهوداً أكبر، مما اضطرني لترك مجال عملي الأساسي كمهندس للكمبيوتر، وتوجهت لشيء قد يحمل قيمة اجتماعية مضافة، عوضاً عن قيامي بشيء يخدمني لوحدي فقط، أصبحت أحب أن أقوم بشيء مفيد لي ولغيري أيضاً".
*الصورة: "رغم المزيج الذي ذكرته، لا زلنا متأملين بأن تتجه الأمور نحو شيء إيجابي"/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659