بقلم علي عبد الأمير:

كشفت وزارة التخطيط العراقية مؤخراً حجم الكلفة الكلية للأضرار الناجمة عن الأعمال الإرهابية في مؤسسات الدولة كافة للمدة 2004-2016، موضحة أنّها بلغت 36.8 ترليون دينار (31 مليار دولار).

وزير التخطيط سلمان الجميلي دعا إلى "عقد مؤتمر دولي للدول المانحة لغرض حثها علـى الإسهام في عملية إعادة الإعمار للمناطق المتضررة مـن جـراء العمليات الإرهابية التي قامت بها عصابات داعش"، في مؤشر على تراجع قدرة العراق مالياً، في مقابل ازدياد القدرات المالية لتنظيم داعش الذي قام بسلب ثروات مناطق غنية واسعة يسيطر عليها في العراق وسورية وليبيا. وهو ما ساعد التنظيم على تمويل عملياته وجعله من أثرى المنظمات الإرهابية في العالم.

تجفيف المنابع المالية

بدا أن تجفيف المنابع المالية في العام الماضي وقطع الأذرع الاقتصادية للتنظيم، أمر ضروري لمحاصرة داعش. فبدأت الطائرات الحربية الأميركية بتوجيه ضربات جوية ضد حقول النفط والمصافي ومئات الشاحنات الناقلة بالقرب من مدينة دير الزور السورية، ضمن عملية حملت اسم “الموجة العارمة 2”.

وكانت الهجمات هي أحدث مرحلة في حملة سعت إلى حرمان داعش من موارده ودفعه إلى الإفلاس، عبر ضرب قلب اقتصاد السوق السوداء الذي يعتمده تنظيم داعش لتهريب النفط في الأراضي الواقعة تحت سيطرته، فضلاً عن النظام الضريبي الذي يوفر رواتب عشرات الآلاف من المقاتلين المتطرفين.

وضمن التوجه ذاته في ضرب المؤسسة الاقتصادية والمالية للتنظيم، أعلن المتحدث باسم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، العقيد ستيف وارن، أن تنظيم داعش خسر حتى الآن مئات الملايين من الدولارات في قصف قوات التحالف الدولي لأماكن تخزين المال الذي يملكه في العراق وسورية، ما أدى إلى مروره بأزمة مالية وخفض رواتب مقاتليه.

ويرى الباحث والخبير الإقتصادي العراقي باسم أنطوان أن على العراق والتحالف الدولي عملاً كبيراً واجباً في التصدي للشبكة الاقتصادية والمالية للتنظيم الإرهابي، والتي يعتبرها الهيكل الحقيقي المؤثر لداعش، مؤكداً في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أن "حصاراً اقتصادياً واسعاً على موارد التنظيم الإرهابي أمر واجب تنفيذه على العراق والتحالف الدولي، وبشكل حقيقي".

أنطوان: الخطوات الجوهرية لخنق داعش اقتصادياً

ويحدد الخبير والباحث الاقتصادي أنطوان خطوات أساسية من شأنها التضييق على اقتصاد التنظيم الإرهابي:

* تجفيف كلي للتمويل الخارجي: التبرعات والتحويلات المالية من دول الخليج الثرية إلى أفراد داعش، أو الهبات المقدمة إلى واجهاته "الخيرية" والدينية والاجتماعية.

* مطاردة شبكات الإتجار بالآثار واللقى التاريخية إقليمياً ودولياً، لا سيما أن المنطقة التي سيطر عليها داعش من المناطق التاريخية المهمة، وتتوافر على كنوز من حضارات مؤثرة في التاريخ الإنساني. وقام التنظيم بنهب الكثير من تلك الكنوز للتجارة بها، واستثمارها في الحصول على موارد مالية ليست بالهينة.

* ملاحقة شبكات استخراج النفط الخام وتصفيته ونقله داخلياً وخارجياً، فلا يكفي القول إن تركيا مسؤولة عن ذلك، لأن جزءاً كبيراًَ من نفط داعش ينتقل إلى سوق الخام الأسود العالمي عبر تركيا التي باتت تشترك في حدودها مع مناطق كثيرة، تحكمها سلطات التنظيم في العراق وسورية.

كما علينا أن نعرف أن هناك طفيليين في منطقة إقليم كردستان هم من يتولون ترويج نفط داعش داخل الإقليم وخارجه، مستغلين الحصول عليها بأسعار متدنية للغاية عن مثيلاتها في السوق الدولية. كما أن طفيليين في سورية يتولون الترويج لنفط داعش حتى داخل المؤسسات التابعة لحكومة دمشق.

* مواصلة ضرب الشبكات المالية والقياديين في داعش المسؤولين عن الهيكل المالي للتنظيم، فهؤلاء لا يقلون أهمية عن القيادات العسكرية وأمراء الحرب في التنظيم. وهم يضعون أياديهم على ثروات كبرى وشبكات مالية واقتصادية منظمة، ويشرفون على فرض نظام ضريبي وجباية يوفر غطاء كبيراً لعمليات تخريبية واسعة خرجت من العراق وسورية، لتطال مناطق واسعة من العالم.

التخريب الكلي لراهن المنطقة ومستقبلها

ويخلص الخبير الاقتصادي العراقي إلى القول بأن "داعش، ليس مجرد تنظيم أصولي ديني إرهابي، سياسياً واجتماعياً، بل هو تنظيم للتخريب الاقتصادي الرهيب، فنحن نتحدث عن خراب واسع، صحيح أنه يتركز في العراق وسورية، لكن بنظرة موضوعية إلى ما قبل صعود داعش وبعده، لوجدنا أن خراباً "منظماً" ضرب ليس اقتصاديات بلدان المنطقة، وإنما أفقدها الكثير مما يصب في مصلحتها المستقبلية ومصير أجيالها الجديدة".

*الصورة: منشأة للنفط في مدينة الرميلان السورية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".