بقلم مايكل عادل:

لو قمنا بسؤال عيّنة عشوائية من الأطفال في بلدانٍ ومجتمعاتٍ مختلفة عن طموحاتهم والمهن التي يحلمون بها، سنجد من يتمنّى أن يصبح مهندساً وآخر يريد أن يصبح طبيباً أو ضابطاً أو أي من تلك المهن التي يحظى العامل بها بمكانة وقيمة في مجتمعاتنا. ولكننا بالتأكيد لن نجد من يريد أن يصبح قاتلاً أو لصّاً أو إرهابياً.

وفي ذات الوقت، سنجد بين الكبار ذلك الطبيب المجرم والمهندس القاتل والضابط اللص. بل إننا بالفعل أمام العديد من تلك الأمثلة التي نراها أمامنا على صفحات الحوادث ونشرات الأخبار. وعلى ذلك فوضع قاعدة عامة في شأن تحوّل الإنسان من مواطن عادي إلى إرهابي هو أمر مستحيل. فوضع أسباب مباشرة مثل الظلم الاجتماعي والفقر والجهل كأسباب للإرهاب لن يكون دقيقاً بالقدر الكافي. ولكن حين نعتبر كل تلك الأمور هي عوامل لخلق التطرف بأنواعه سيكون أكثر دقة. فنحن أمام الطبيب أيمن الظواهري والثريّ أسامة بن لادن لن نستطيع أن نجزم بأن الفقر والبطالة هنا أسباب للتطرف، ولكننا سنجد أيضاً أن النموذجين السابقين قد استخدما الفقر والبطالة كمدخل لتجنيد المزيد من المتطرفين من أماكن متفرقة في العالم.

وحينما يأتي الأمر إلى من اجتهد في التعليم وبذل كل غالٍ ونفيس فيه حتى حصل على شهادته متحدياً كافة المتاعب والصعاب للحصول عليها وينتهي به الأمر عاطلاً أو عاملاً بأجر زهيد، فإننا هنا أمام النموذج المثالي والأرض الخصبة لزرع أي أفكار في رأس ذلك البائس الذي –بالتأكيد- أصابه الشك في كل ما بذله في حياته حتّى كاد –أو بالفعل- يعتبر كل ما دفعه من جهد ومال وسهر واهتمام في سبيل العلم والعمل ليس إلا مجرّد وهم وسَعي خائب خلف السراب المسمى بـ "الحياة الكريمة"، وهنا ستهتز الثقة أو تنعدم، وهنا سينفتح في الرأس مجالاً لإدخال أفكار جديدة يمكن أن تُنتهَج، وأهداف جديدة يجدر السعي إليها، ووسائل مختلفة قد يرى أنها تستحق بذل الجهد فيها وثمن لن يذهب هباء حين يدفعه، وهنا يعبر الضحّية عبر بوابة خيبة السعي إلى الجانب الآخر حيث صفوف الجناة.

لن يجد العاطل غضاضة، بعد أن خذلته الدنيا في سعيه، أن يتحرّك صوب الآخرة التي قد يصوّرها له البعض مثلما يرونها. وكذلك لن يجد أحد صعوبة كبيرة في إقناعه بأنه لم يُخلق للسعي خلف العمل والمال وأن هناك ما هو أكبر قيمة من ذلك وأنه ينتظره. وحينها، وبالشواهد التي رآها في حياته من خذلان لأحلامه وطموحاته، سيلقي بنفسه في الطريق الآخر لعله يلقى تقديراً في الدنيا ونعيماً في الآخرة بعد أن وجد خذلاناً في الدنيا التي لم تنصفه في جهده وطموحه.

البطالة ليست سبباً مباشراً للإرهاب، لكنها مدخل قوي للأفكار المؤدية للإرهاب أو أي جريمة أخرى. هي ذلك السم الملعون الذي يجرّف اليقين بالحلم، والثقة بالنفس، ويلقي بالإنسان في أحضان أي شيء ينتشله من تلك الحياة الراكدة إلى مجال به هدف وسياق وتقدير.

عن الكاتب مايكل عادل: صحافي وشاعر ومدوّن وباحث مصريّ، عمل في عدد من الصحف العربية كالسفير والأخبار اللبنانية ومؤسسة الأهرام المصريّة وكذلك مدوّناً في "هافينجتون بوست" بنسختها العربيّة.

لمتابعة مايكل على صفحته على تويتر اضغط هنا. وعلى فيسبوك اضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل جديدة بشأن العملية المشتركة التي نفذتها قوات أميركية وعراقية مؤخرا ضد داعش، وأسفرت عن مقتل 15 من عناصر التنظيم المتشدد غربي العراق، في واحدة من أكبر العمليات لمكافحة الإرهاب في البلاد في السنوات الأخيرة.

وقالت الصحيفة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وعراقيين، إن سبعة جنود أميركيين تعرضوا لإصابات خلال العملية التي شارك بها أكثر من 200 جندي من كلا البلدين.

وأضافت أن العملية شملت مطاردة مسلحي داعش داخل أوكار تنتشر في مساحات واسعة وسط تضاريس نائية.

وذكر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن حجم ونطاق وتركيز العملية يسلط الضوء على عودة ظهور التنظيم المتشدد خلال الأشهر الأخيرة.

وفقا للصحيفة فقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو الوصول لقائد ميداني كبير يشرف على عمليات تنظيم داعش في الشرق الأوسط وأوروبا.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) التي يقع الشرق الأوسط ضمن نطاق عملياتها، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة في غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر داعش".

وأضافت في بيان أن "العملية استهدفت قادة داعش بهدف تعطيل وتقويض قدرات التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين العراقيين، وكذلك ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها".

ورفض المسؤولون الأميركيون تحديد القادة المستهدفين من داعش، بما في ذلك القيادي الكبير، لحين إجراء تحليل الحمض النووي لجثثهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن العملية جاءت في وقت أعلن رئيس الوزراء العراق محمد شياع السوداني وقادة الجيش العراقي أن بإمكان البلاد السيطرة على تهديدات داعش من دون مساعدة الولايات المتحدة.

وتتفاوض بغداد وواشنطن منذ عدة أشهر على اتفاق من شأنه إنهاء مهمة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، حيث يتواجد حوالي 2500 جندي أميركي.

ومع ذلك، أعلنت القيادة المركزية الأميركية في يوليو أن عدد الهجمات التي تبنى داعش المسؤولية عنها في العراق وسوريا تزايد بشكل ملحوظ ويكاد يقترب من ضعف الهجمات التي حصلت العام الماضي.

وأعلن تنظيم داعش المسؤولية عن 153 هجوما في البلدين خلال النصف الأول من عام 2024، حسبما قالت القيادة المركزية الأميركية، من دون أن تقدم تفاصيل دقيقة عن أرقام الهجمات حسب كل بلد.

وتنقل الصحيفة عن مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر القول إن العراق نجح في احتواء تحديات داعش في السنوات الأخيرة، مع انخفاض وتيرة العمليات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق"، مضيفا أن "التعافي الواضح لداعش في سوريا المجاورة يثير قلقا كبيرا.

وأضاف ليستر: "لذا، فإن هذه الملاذات الآمنة القديمة لداعش، في صحراء الأنبار، ستحتاج إلى المتابعة بشكل مستمر، إذا كنا نريد تجنب تسرب داعش من سوريا إلى العراق في النهاية."

وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة والقوات الحليفة الأخرى ساعدت القوات العراقية في تنفيذ أكثر من 250 عملية لمكافحة الإرهاب منذ أكتوبر الماضي.

لكن الصحيفة ذكرت أن هذه الغارة "لم تكن عادية" خاصة في ظل مشاركة  عدد كبير من القوات الأميركية الخاصة التي قادت الهجوم الأولي.

وتضيف الصحيفة أن أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية وجنود آخرين بالإضافة لعدد أقل من الجنود العراقيين شاركوا في الهجوم الرئيسي الذي نفذ بواسطة طائرات الهليكوبتر.

وقالت السلطات العراقية في بيان إن العملية بدأت شرقي مجرى مائي يمر عبر صحراء الأنبار، في منطقة جنوب غرب الفلوجة.

وأكد جهاز المخابرات العراقي أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم". وأشار إلى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها الجهاديون، أعقبتها "عملية إنزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع الإرهابيين".

وبحسب ليستر ومسؤولين أميركيين فقد استمرت العملية في اليوم التالي، مع مراقبة الطائرات المسيرة الأميركية للمنطقة، مؤكدين أن أكثر من 100 عنصر من القوات العراقية تايعوا الهجوم واعتقلوا اثنين من مسلحي داعش الذين فروا من الموقع في الليلة السابقة مع وثائق مالية ومعلومات عن التنظيم.

وتشير الصحيفة إلى أن محللين عسكريين أميركيين يدرسون المواد التي تم الاستيلاء عليها، والتي قال المسؤولون إنها قد تؤدي إلى غارات مستقبلية.