هلسنكي، فنلندا – بقلم صالح قشطة:
"كنا نعيش بأمن وأمان وسلام. وعندما دخل داعش مناطقنا قاموا بتهجير معظم الناس، كما هتكوا أعراض نسبة كبيرة منهم. كبرت معاناتنا بسببهم، فتركنا بيوتنا وأملاكنا ومتاجرنا في سبيل إنقاذ أنفسنا".
بهذه الكلمات يبدأ فارس العلي سرد قصة تهجيره، بأحداثها التي لا تشبه سوى سيناريوهات أشد القصص السينمائية رعباً، بفصولها الدموية التي تبدأ في العراق، وتصل إلى العاصمة الفنلندية هلسنكي، حيث لا يدري إن كان الستار سيسدل على تفاصيل قصته هناك، في أقصى شمال الأرض!
شاهد عيان
فارس أب لسبعة أطفال، تنحدر أصوله من البصرة. كان يعيش في محافظة صلاح الدين. يتحدث إلى موقع (إرفع صوتك) كشاهد عيان على الجرائم التي يرتكبها داعش بحق المدنيين.
يروي فارس أنّه عندما أتى داعش إلى منطقته، نشر الرعب والقتل بلا تفرقة بين أي مذهب أو طائفة. "هتكوا أعراضنا وسلبوا كل ما نملك واعتبروها غنائماً لهم، وقاموا بسبي نساء العديد من العوائل، ودمروا البلاد بأكملها من شمالها إلى جنوبها".
قتلوا زوجتي وعائلة جيراني
ويتابع متنهداً "قتلوا زوجتي، وقتلوا عائلة جيراني بأكملها"، ليستحضر يوم نزوحه الذي يصفه بالمأساوي، حيث كان وعائلته خارجين من صلاح الدين هرباً من داعش. بدأ التنظيم بقصف العائلات المهجرة، وكانت زوجة فارس وأطفاله معه. أصيبت زوجته بإحدى القذائف أثناء قصف داعش العشوائي للمدنيين.
"توفيت زوجتي وطفلنا الذي تحمله في أحشائها في نفس اللحظة"، يقول فارس، متحسراً "أتيت إلى أوروبا لأنقذ نفسي وما تبقى من أطفالي، فقد خسرت نفسي وخسرت زوجتي التي كانت أغلى ما أملك في حياتي".
رحلة اللجوء
رحلة لجوءٍ محفوفة بالمخاطر والصعاب أقرب ما تكون إلى المغامرة، عاشها فارس على مدى أيام مرت ببطءٍ شديد، ظنّ أنه لن ينهيها بسلام، يرويها بحرقةٍ ككابوس لا يستطيع الاستيقاظ منه.
بدأت هجرته من البصرة إلى إسطنبول حيث التقى بأحد المهربين الذي طلب منه مبلغ 1200 يورو عن كل شخص، وأخذهم في طريق لا يمكن وصفها. مرّ الهاربون بغابة قبل أن يصلوا إلى البحر، حيث استقلوا قارباً للعبور من إحدى الجزر التركية إلى جزيرة ماتاليني اليونانية.
في تلك الرحلة، مشى العابرون مع المهرب على الأقدام بين الغابات والجبال لنهار كامل. وبعد يومين توجهوا إلى أثينا، ثم إلى سالونيك، ومن ثم مقدونيا، حيث قابلوا قطاع طرق سلبوهم أموالهم وحاولوا خطف أطفالهم، ثم إلى صربيا، وعبروا حتى وصلوا إلى هنغاريا. هناك ناموا في الغابات جائعين بلا طعام لمدة يومين، قبل أن يكملوا طريقهم برحلة شديدة الخطورة استغرقت 17 يوماً من إسطنبول إلى فنلندا.
يتذكر فارس بارتياح وصوله إلى فنلندا حيث لاقى لطفاً شديداً ومعاملة حسنة وحيث وجد "تقدير الإنسانية". يصف الرجل رحلته بأنّها كانت أشبه بالموت ومغامرة بأرواحهم. "ولدى وصولي إلى فنلندا أحسست بأني ولدت من جديد وأنا سعيد جداً بذلك لأتمكن من تأمين حياة جيدة ومستقبل أفضل لأطفالي".
المال ليس ما يحتاجه اللاجئ
يحرص فارس على الإشارة إلى أن المال ليس ما يحتاجه اللاجئ، بل هناك ما هو أهم من ذلك، وهو "الأمن والأمان والإنسانية، ولا نريد أكثر من ذلك".
"سأكون سعيداً بحمايتي لأطفالي هنا، حتى لو لم أتلق أي مبلغ مادي من أي جهة طيلة فترة مكوثي"، يقول الرجل، مضيفاً "جميع القوميات التي تعرف الله أنا منها، ومشكلتي الشخصية والمرض الذي في داخلي لا يحتاجان سوى الإنسانية".
وعن مدى رغبته بالعودة إلى بلاده، يختم فارس حديثه إلى موقع (إرفع صوتك) بعبارة تلخص وقع قصته على حياته "ليس هناك شيء أعز على الشخص من وطنه، لكن بعد المعاناة التي شهدتها، لم تعد لدي رغبة في العودة، حتى لو أعطوني قصراً في بلادي.. فبلادي أخذت أحب الأشخاص إلى قلبي، وأخذت أعز ما أملك في هذه الدنيا، أرجوكم لا تسألوني عن بلادي مرةً أخرى".
*الصورة: فارس العلي/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659