بقلم علي قيس:

في بيان رسمي للسلطة القضائية الاتحادية العراقية صدر في أواخر شهر نيسان/أبريل، أعلنت محاكم البلاد حسم قضايا 15546 موقوفاً خلال ذلك الشهر، بينهم 9653 لم تثبت إدانتهم بما نسب إليهم من تهم.

وأوضح المتحدث باسم السلطة القاضي عبد الستار بيرقدار خلال البيان أن "8334 موقوفاً تم الإفراج عنهم خلال مرحلة التحقيق، و1319 آخرين أفرج عنهم خلال مرحلة المحاكمة"، مشيراً إلى أن "991 موقوفاً من الذين أفرج عنهم كانت قد وجهت إليهم تهم وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب".

وهي ليست المرة الأولى التي تعلن فيها السلطات مثل هذه الأرقام الكبيرة والتي تثير جدلاً متزايداً حول فاعلية الإجراءات القضائية في العراق.

دور سلبي للقضاء؟

"القضاء دائماً دوره سلبي في معالجة الإرهاب"، هكذا يعلق القاضي وعضو مجلس النواب السابق وائل عبد اللطيف على موضوع تأخر حسم قضايا الموقوفين، ويعزو سلبية دور القضاء في حديث لموقع (إرفع صوتك) بقوله "التأجيل في حسم القضايا يساعد في توسع الإرهاب، سواء من خلال صنع عناصر جديدة له داخل السجون، أو الحصول على فرص للهروب منها".

ويضيف عبد اللطيف أنّ السعي إلى ملاحقة الجريمة لا يبدأ إلا بعد تقديم إخطار، فضلاً عن أن الذين يتم إلقاء القبض عليهم قليلون، فمعظهم يقتل بتنفيذه عملية انتحارية، ومن يتم إلقاء القبض عليه تحكمه قواعد التأجيل، حتى وإن صدر حكم بحقه، على حد قوله.

ويحمل القاضي السابق كذلك رئاسة الجمهورية جزءاً كبيراً من "إخفاق دور القضاء لأنها ترفض في أغلب الأحيان المصادقة على أحكام الإعدام بحق من اكتسب الحكم القطعي بالإعدام لعدة أسباب، من بينها عدم ثقتها بالجهات المصدرة للحكم، وهذه تعتبر كارثة في المعايير الدولية للقضاء".

المادة أربعة إرهاب

وحول المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، يرى القاضي وائل عبد اللطيف "أنها استخدمت استخداماً سياسياً سيئاً جداً" ويضيف "هذا الاستخدام وجه إلى العرب السنة، ورغم أني أجد فيه بعض المبالغة لكن هذا الرأي له حضور، أي شخص لا يخضع لإرادة القوى السياسية المتسلطة أو يريد أن يبدي رأيه بصوت عال، ستلاحقه أربعة إرهاب بسهولة جداً".

ولطالما أثارت المادة الرابعة من قانون الإرهاب العراقي التحفظات والاحتجاجات على الرغم من كونها شديدة الرواج والاستخدام في القضاء العراقي.

وتنص المادة على بندين، الأول "يُعاقب بالإعدام كل من ارتكب بصفته فاعلاً أصلياً أو شريكاً في الأعمال الإرهابية، ويعاقب المحرّض والمخطط والمموّل وكل من مكّن الإرهابيين من القيام بالجرائم الواردة في هذا القانون بعقوبة الفاعل الأصلي".

أما البند الثاني فينص على العقاب بـ"السجن المؤبد على كل من أخفى عن عمد أي عمل إجرامي أو على شخص إرهابي بهدف التستر".

ويختتم عبد اللطيف حديثه بالقول "ما هو موجود في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لعام 1969، يكفي لمحاسبة المتورطين بالإرهاب، بل أن ما ورد فيه أشد مما ورد في مادة أربعة إرهاب، لذلك بالإمكان إلغاء هذه المادة".

نزيل في أحد سجون بغداد خلال زيارة أقاربه له

أرقام السلطة القضائية غير دقيقة

ورغم إعلان السلطة القضائية الإفراج عن أكثر من 10 آلاف موقوف ممن لم تثبت إدانتهم خلال شهر واحد فقط، إلا أن نائب رئيس محكمة استئناف بغداد القاضي سالم روضان ينفي وجود مثل هذه الأعداد، ويضيف لموقع (إرفع صوتك) "هذه معلومات غير دقيقة، لا يوجد شخص في السجون العراقية إلا وهو خاضع لقرار قضائي".

ويتابع روضان "أحياناً يكون هناك تأخير لأن تحقيقات الجريمة تحتاج إلى وقت لمعرفة بعض الدلائل، مثل نتائج الـ DNA أو القبض على جناة آخرين مساهمين في الجريمة، أو ضحايا يحتاجون لوقت للشفاء مما تعرضوا له من إصابات".

"القصور هو في الجهات المنفذة" يقول نائب رئيس محكمة القاضي روضان، مضيفاً "ضعف القوى الأمنية أو عدم سيطرة الحكومة المركزية على بعض المناطق التي يلجأ إليها الجناة بعد صدور الأحكام بحقهم، هو ما يضعف دور القضاء في مكافحة الإرهاب".

وفي معرض تعليقه على إمكانية إلغاء المادة الرابعة من قانون الإرهاب وتعويضها بالمادة 111 من قانون العقوبات العراقي، يشير نائب رئيس محكمة استئناف بغداد إلى أن "هذه المادة لم تستوعب حالة الإرهاب الموجودة الآن، فهي لا تحاسب الشخص الذي يحرض على الجريمة إلا بعد وقوعها. كذلك لم يحدد عقوبة لجرائم الفتنة الطائفية والتهجير والجرائم الإلكترونية، فيما غطى قانون مكافحة الإرهاب هذه الجرائم".

ويتابع "بل حتى قانون مكافحة الإرهاب بحاجة إلى إعادة نظر، هناك مجالات لم تكن مطروقة عندما شرّع، كما يحتاج لتعديل بعض المساوئ الموجودة في نصه".

وإذ يتفق القاضي سالم روضان على أن القانون حينما شرّع كانت تقف وراءه أهداف سياسية، لكنه ينفي تأثير ذلك على الأحكام الصادرة وفقه، موضحاً "الدور السياسي للمادة انتهى بعد تصويت مجلس النواب عليه، فالقاضي يطبق ما ورد فيه، ولا يأخذ بنظر الاعتبار الجهة السياسية التي شرّعته".

*الصورة الرئيسية: سجن أبو غريب غرب بغداد/وكالة الصحافة الفرنسية

*الصورة الثانية: نزيل في أحد سجون بغداد خلال زيارة أقاربه له/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".